العاضد

أبو محمد عبد الله الملقب العاضد بن يوسف بن الحافظ بن محمد المستنصر بن الظاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي، آخر ملوك مصر من العبيديين - وقد تقدم ذكر جماعة من أهل بيته وسيأتي ذكر الباقين -؛ ولي المملكة بعد وفاة ابن عمه الفائز في التاريخ المذكور في ترجمته، وكان أبوه يوسف أحد الأخوين اللذين قتلهما عباس بعد الظافر - وقد سبق ذلك في ترجمة الظافر في حرف الهمزة - واستقر الأمر للعاضد المذكور اسماً وللصالح بن رزّيك - المذكور في حرف الطاء - جسماً.

وكان العاضد شديد التشيع متغالياً في سب الصحابة، رضوان الله عليهم وإذا رآى سنياً استحل دمه، وسار وزيره الصالح بن رزّيك في أيامه سيرة مذمومة فإنه احتكر الغلات فارتفع سعرها، وقتل أمراء الدولة خشية منهم، وأضعف أحوال الدولة المصرية فقتل مقاتلتها وأفنى ذوي الآراء والحزم منها، وكان كثير التطلع إلى ما في أيدي الناس من الأموال، وصادر أقواماً ليس بينه وبينهم تعلق.

وفي أيام العاضد ورد أبو عبد الله الحسين بن نزار بن المستنصر من المغرب ومعه عساكر وحشود، فلما قارب بلاد مصر غدر به أصحابه وقبضوه وحملوه إلى العاضد فقتله صبراً، وذلك في سنة سبع وخمسين وخمسمائة في شهر رمضان، وقيل إن ذلك كان في أيام الحافظ عبد المجيد - هكذا قاله صاحب كتاب " الدول المنقطعة " والله أعلم، ثم أعاد ذلك في أيام العاضد كما ذكرته أولاً، والله أعلم بالصواب - وكان قد تلقب بالمنتصر بالله. وقد تقدم في ترجمة شاور وأسد الدين شيركوه في حرف الشين ما يغني عن الإطالة في سبب انقراض دولته، واستيلاء الغز عليها وسيأتي في أخبار السلطان صلاح الدين، رحمه الله تعالى في حرف الياء طرف من ذلك أيضاً.

وسمعت من جماعة من المصريين يقولون: إن هؤلاء القوم في أوائل دولتهم قالوا لبعض العلماء: تكتب لنا ورقة تذكر فيها ألقاباً تصلح للخلفاء، حتى إذا تولى واحد لقبوه ببعض تلك الألقاب، فكتب لهم ألقاباً كثيرة، وآخر ما كتب في الورقة " العاضد " فاتفق أن آخر من ولي منهم تلقب بالعاضد، وهذا من عجيب الاتفاق. وأيضاً فإن العاضد في اللغة القاطع، يقال: عضدتُ الشيء فأنا عاضدٌ له، إذا قطعته، فكأنه عاضدٌ لدولتهم، وكذا كان لأنه قطعها.

وأخبرني أحد علماء المصريين أيضاً أن العاضد المذكور في أواخر دولته رأى في منامه وهو بمدينة مصر وقد خرجت إليه عقرب من مسجد هو معروف بها، فلدغته فلما استيقظ ارتاع لذلك، فطلب بعض معبري الرؤية وقص عليهم المنام فقال له: ينالك مكروه من شخص مقيم في هذا المسجد، فطلب والي مصر وقال له: تكشف عمن هو مقيم في المسجد الفلاني، وكان العاضد يعرف ذلك المسجد، فإذا رأيت به أحداً تحضره عندي. فمضى الوالي إلى المسجد فرأى فيه رجلاً صوفياً فأخذه ودخل به على العاضد، فلما رآه سأله: من أين هو؟ ومتى قدم البلاد؟ وفي أي شيء قدم؟ وهو يجاوبه عن كل سؤال، فلما ظهر له منه ضعف الحال والصدق والعجز عن إيصال المكروه إليه أعطاه شيئاً وقال له: يا شيخ ادع لنا، وأطلق سبيله، فنهض من عنده وعاد إلى مسجده. فلما استولى السلطان صلاح الدين وعزم على القبض على العاضد واستفتى الفقهاء في قتله، أفتوه بجواز ذلك لما كان عليه العاضد وأشياعه من انحلال العقيدة وفساد الاعتقاد وكثرة الوقوع في الصحابة والإستهتار بذلك. وكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الصوفي المقيم في المسجد، وهو الشيخ نجم الدين الخبوشاني - الآتي ذكره في حرف الميم إن شاء الله تعالى - فإنه عدَّد مساوئ هؤلاء القوم وسلب عنهم الإيمان وأطال الكلام في ذلك، فصحَّت بذلك رؤيا العاضد.

وكانت ولادة العاضد يوم الثلاثاء لعشر بقين من المحرم سنة ست وأربعين وخمسمائة. وتوفي ليلة الاثنين لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة سبع وستين وخمسمائة، وقيل إن العاضد حصل له غيظ من شمس الدولة توران شاه بن أيوب أخي صلاح الدين فسمّ نفسه فمات، والله أعلم، رحمه الله تعالى. وقيل إنه مات يوم عاشوراء.