أبو الحكم المغربي

أبو الحكم عبيد الله بن المظفر بن عبد الله بن محمد الباهلي، الحكيم الأديب المعروف بالمغربي؛ أصله من أهل المرية بالأندلس - وتقدم ذكرها - ومولده ببلاد اليمن. ذكر أبو شجاع محمد بن علي بن الدهان الفرضي -الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - في تاريخ جمعه أن أبا الحكم المذكور قدم بغداد وأقام بها مدة يعلم الصبيان، وأنه كان ذا معرفة بالأدب والطب والهندسة؛ انتهى كلام أبي شجاع وذكر مولده ووفاته. وقال غيره: كان كامل الفضيلة، جمع بين الأدب والحكمة، وله ديوان شعر جيد، والخلاعة والمجون غالبة عليه.

وذكر العماد الأصبهاني في " الخريدة " أن أبا الحكم المذكور كان طبيب البيمارستان الذي كان يحمله أربعون جملاً المستصحب في معسكر السلطان محمود السلجوقي حيث خيم، وكان السديد أبو الوفاء يحيى بن سعيد بن يحيى المظفر المعروف بابن المرخم الذي صار أقضى القضاة ببغداد في أيام الأمام المقتفي فاصداً وطبيباً في هذا البيمارستان، ثم إن العماد أثنى على أبي الحكم المذكور، وذكر فضله وما كان عليه، وذكر أن له كتاباً سماه " نهج الوضاعة لأولي الخلاعة ".

ثم إن أبا الحكم المذكور انتقل إلى الشام وسكن دمشق، وله فيها أخبار وماجرايات ظريفه تدل على خفة روحه.

رأيت في ديوانه أن أبا الحسين أحمد بن منير الطرابلسي - المقدم ذكره في حرف الهمزة -كان عند الأمراء بني منقذ بقلعة شيزر، وكانوا مقبلين عليه، وكان بدمشق شاعر يقال له أبو الوحش سبع بن خلف بن محمد بن هبة الله الفقعسي، وكانوا يصغرون كنيته فيقولون " وحيش " وكانت فيه دعابة، وبينه وبين أبي الحكم مودة وألفة متحدة، فعزم أبو الوحش أن يتوجه إلى شيزر يمدح بني منقذ ويسترفدهم، فالتمس من أبي الحكم المذكور كتاباً إلى ابن منير بالوصية عليه، فكتب أبو الحكم:

 

أبا الحسين استمع مقال فـتـىً

 

عوجل فيما يقول فارتـجـلا

هذا أبو الوحش جاء ممتدح ال

 

قوم فـنـوه بـه إذا وصـلا

واتل عليهم بحسن شرحك مـا

 

أتلوه مـن حـديثـه جـمـلا

وخبـر الـقـوم أنـه رجـل

 

ما أبصر الناس مثلـه رجـلا

تنوب عن وصفـه شـمـائلـه

 

لا يبتغي عـاقـل بـه بـدلا

وهو عـلـى خـفة بـه أبـداً

 

معترف أنه مـن الـثـقـلا

يمت بالثلب والرقـاعة والـس

 

خف، وأما بمـا سـواه فـلا

إن أنت فاتحته لتـخـبـر مـا

 

يصدر عنه فتحت منـه خـلا

فسمه إن حل خطة الخسف وال

 

هونِ ورحب بـه إذا رحـلا

وسقه السم إن ظـفـرت بـه

 

وأمزج له من لسانك العسـلا

 

وله أشياء مستملحة، منها مقصورة هزلية ضاهى بها مقصورة ابن دريد، من جملتها:

 

وكل ملموم فـلابـد لـه

 

من فرقة لو لزقوه بالغرا

 

وله مرثية في عماد الدين زنكي بن آق سنقر الأتابك - المقدم ذكره - شاب فيها الجد بالهزل والغالب على شعره الانطباع.


وكانت ولادته في سنة ست وثمانين وأربعمائة باليمن، على ما حكاه ابن الدبيثي في ذيله. وتوفي ليلة الأربعاء رابع ذي القعدة سنة تسع وأربعين وخمسمائة، وقال ابن الدبيثي: توفي لساعتين خلتا من ليلة الأربعاء سادس ذي القعدة بدمشق، وهو الأصح، ودفن بباب الفراديس، رحمه الله تعالى.


والقاضي ابن المرخم المذكور هو الذي يقول فيه أبو القاسم هبة الله ابن الفضل الشاعر المعروف بابن القطان - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى -:

 

يا ابن المرخم صرت فينا قاضياً

 

خرف الزمان تراه أم جن الفلك

إن كنت تحكم بالنجوم فربـمـا

 

أما بشرع محمدٍ مـن أين لـك