عبيد الله بن عبد الله بن طاهر

أبو أحمد عبيد الله بن عبد الله بن طاهر بن الحسين بن مصعب بن رزيق بن ماهان الخزاعي؛ - تقدم ذكر أبيه وجده وما كانا عليه من التقدم وعلو المنزلة عند المأمون، وتوليتهما خراسان وغيرها - وكان عبيد الله المذكور أميراً، ولي الشرطة ببغداد خلافةً عن أخيه محمد بن عبد الله، ثم استقل بها بعد موت أخيه، وكان سيداً، وإليه انتهت رياسة أهله، وهو آخر من مات منهم رئيساً ولهم من الكتب المصنفة كتاب " الإشارة في أخبار الشعراء " وكتاب " رسالة في السياسة الملوكية " وكتاب مراسلاته لعبد الله بن المعتز، وكتاب " البراعة والفصاحة " وغير ذلك. وحدّث عن الزبير بن بكار وغيره، وكان مترسلاً شاعراً لطيفاً حسن المقاصد جيد السبك رقيق الحاشية.

ومن شعره، ثم وجدتها لأبي الطريف شاعر المعتمد الخليفة العباسي وزعم الصولي أن البحتري أنشده هذه الأبيات لنفسه، والله أعلم، وهي:

أتهجرون فتى أغري بكم تيها

 

لحقُّ دعوة صبٍّ أن تجيبوها

أهدى إليكم عـلـى نـأيٍ تـحـيتـه

 

حيُّوا بأحسن منـهـا أو فـردُّوهـا

زمُّوا المطايا غداة البين واحتمـلـوا

 

وخلَّفوني على الأطـلال أبـكـيهـا

شيَّعتهم فاسترابوا بي فقـلـت لـهـم

 

إني بعثت مع الأجمـال أحـدوهـا

قالوا فما نفسٌ يعلـو كـذا صـعـدا

 

وما لعينـك لا تـرقـا مـآقـيهـا

قلت التنفّس مـن إدمـان سـيركـم

 

ودمع عيني جارٍ من قـذىً فـيهـا

حتى إذا انجذبوا والليل مـعـتـكـر

 

رفعت في جنحه صوتـي أنـاديهـا

يا من به أنا هيمـانٌ ومـخـتـبـلٌ

 

هل لي إلى الوصل من عقبى أُرجيها

         

 

"ومن شعره ما ذكره ابن رشيق في كتاب "" العمدة "" في باب الاستطراد، فقال: ومن الإستطراد نوع يسمى الإدماج، ونحو ذلك قول عبيد الله بن عبد الله بن طاهر لعبيد الله بن سليمان بن وهب حين وزر للمعتضد:

 

أبى دهرنا إسعافنا في نفوسنا

 

وأسعفنا في من نحبُّ ونكرم

فقلت له نعماك فينا أتمـهـا

 

ودع أمرنا إن المهمَّ المقدَّم "

 

ومن شعره:

واحربا مـن فـراق قـوم

 

هم المصأبيح والحصـون

والأسد والمزن والرواسي

 

والأمن والخفض والسكون

لم تتنكر لنـا الـلـيالـي

 

حتى توفَّتهم الـمـنـون

فكلُّ نـارٍ لـنـا قـلـوب

 

وكلُّ مـاء لـنـا عـيون

 

وله:

إن الأمـير هـو الـذي

 

يضحي أميراً يوم عزله

إن زال سلطـان الـولا

 

ية لم يزل سلطان فضله

 

وله:

اقضي الحوائج ما استطع

 

ت وكن لهمِّ أخيك فارج

فلخـير أيام الـفـتـى

 

يومٌ قضى فيه الحـوائج

 

وله ديوان شعر ونقتصر من نظمه على هذا القدر.


وكان عبيد الله قد مرض فعاده الوزير، فلما انصرف عنه كتب إليه: " ما اعرف أحداً جزى العلة خيراً غيري، فإني جزيتها الخير، وشكرت نعمتها علي، إذ كانت إلى رؤيتك مؤدية، فأنا كالأعرأبي الذي جزَّى يوم البين خيراً فقال:

 

جزى الله يوم البين خيراً فإنه

 

أرانا على علاَّته أمَّ ثـابـت

أرانا ربيبات الخدور، ولم نكن

 

نراهنَّ إلا بانتعات النواعت "

 

قلت: ومثل هذا ما كتبه البحتري إلى أبي غانم وقد مرض فعاده الوزير، وهو قوله:

 

يا أبا غانمٍ غـنـمـت ولا زا

 

لت عهاد الوسمي تسقي بلادك

ليت أنا مثل اعتلالـك نـعـت

 

ل على أن يعودنا من عـادك

أبهجـت زورة الـوزير أودا

 

ك جميعاً وأرغمت حسـادك

 

وكانت ولادته سنة ثلاث وعشرين ومائتين. وكانت وفاته ليلة السبت لاثنتي عشرة ليلة خلت من شوال سنة ثلثمائة ببغداد، ودفن بمقابر قريش، رحمه الله تعالى.


"وتوفي الأمير أبو القاسم عبيد الله بن سليمان سنة ثمان وثمانين ومائتين، وعمره اثنتان وستون سنة، وكانت وزارته عشر سنين وخمسين يوما ".


ولم مات أخوه سليمان بن عبد الله بن طاهر في سنة خمس وستين ومائتين وقف أخوه عبيد الله المذكور على قبره متكئاً على قوسه ونظر إلى قبور أهله، وأنشد:

 

النفس ترقى بحزن في تراقيها

 

ودمعة العين تجري من مآقيها

لبقعة ما رأت عيني كقلتـهـا

 

ولا ككثرة أحباب ثووا فيهـا