ابن نباتة الشاعر

أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة بن حميد بن نباتة بن الحجاج بن مطر بن خالد بن عمرو بن رزاح بن رياح بن سعد بن ثجير بن ربيعة بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم بن مر، التميمي السعدي، وبقية النسب معروف؛ كان شاعراً مجيداً، جمع بين حسن السبك وجودة المعنى، طاف البلاد ومدح الملوك والوزراء والرؤساء، وله في سيف الدولة بن حمدان غر القصائد ونخب المدائح، وكان قد أعطاه فرساً أدهم أغر محجلاً فكتب إليه:

 

يا أيها الملك الـذي أخـلاقـه

 

من خلقـه ورواؤه مـن رائه

قد جاءنا الطرف الذي أهديتـه

 

هاديه يعقد أرضه بـسـمـائه

أولايةً وليتـنـا فـبـعـثـتـه

 

رمحاً سبيب العرف عقد لوائه

نحتل منه على أغر محـجـل

 

ماء الدياجي قطرةٌ من مـائه

فكأنما لطم الصباح جـبـينـه

 

فاقتص منه فخاض في أحشائه

متمهلاً والبرق مـن أسـمـائه

 

متبرقعاً والحسن من أكـفـائه

ما كانت النيران يكمن حرهـا

 

ولو كان للنيران بعض ذكـائه

لاتعلق الألحاظ في أعطـافـه

 

إلا إذا كفكفت مـن غـلـوائه

لا يكمل الطرف المحاسن كلها

 

حتى يكون الطرف من أسرائه

 

وهذا المعنى الذي وقع له في صفة الغرة والتحجيل في غاية الإبداع، وما أظنه سبق إليه.


وله في سيف الدولة أيضاً قصيدة لامية طويلة ومن جملة أبياتها قوله:

 

قد جدت لي باللها حتى ضجرت بها

 

وكدت من ضجري أثني على البخل

إن كنت ترغب في أخذ النوال لنـا

 

فاخلق لنا رغبة أو لا فـلا تـنـل

لم يبقٍ جودك لـي شـيئاً أؤمـلـه

 

تركتني أصحب الدنـيا بـلا أمـل

 

وهذا المعنى فيه إلمام بقول البحتري، أعني البيت الأول:

إني هجرتك إذ هجرتـك وحـشةً

 

لا العود يذهبـهـا ولا الإبـداء

أخجلتني بنـدى يديك فـسـودت

 

ما بيننا تلـك الـيد الـبـيضـاء

وقطعتني بالجود حـتـى إنـنـي

 

متخـوفٌ أن لا يكـون لـقـاء

صلةٌ غدت في الناس وهي قطيعة

 

عجب وبر راح وهـو جـفـاء

 

وفي معناه أيضا قول دعبل بن علي الخزاعي المقدم ذكره يمدح المطلب بن عبد الله بن مالك الخزاعي أمير مصر:

زمني بمطلب سقيت زمانـا

 

ما كنت إلا روضةً وجنانـا

كل الندى إلا ندا ك تكـلـفٌ

 

لم أرض بعدك كائناً من كانا

أصلحتني بالبر بل أفسدتنـي

 

وتركتني أتسخط الإحسانـا

 

وهو معنى مطروق تداولته الشعراء، وأكثرت استعماله، فمنهم من يستوفيه ومنهم من يقصر فيه، وكتب به علي بن جبلة المعروف بالعكوك-الآتي ذكره إن شاء الله تعالى- إلى أبي دلف العجلي في أبيات رائية، ولولا خوف الإطالة لذكرتها، وما ألطف قول أبي العلاء المعري فيه:

 

لو اختصرتم من الإحسان زرتكـم

 

والعذب يهجر للإفراط في الخصر

 

رجعنا إلى ذكر أبي نصر المذكور: ومعظم شعره جيد، وله ديوان كبير، وكان قد وصل إلى مدينة الري، وامتدح أبا الفضل محمد بن العميد وجرى بينهما مفاوضة يأتي شرحها في ترجمته إن شاء الله تعالى.


وكانت ولادته في سنة سبع وعشرين وثلثمائة، وتوفي يوم الأحد بعد طلوع الشمس ثالث شوال سنة خمس وأربعمائة ببغداد، ودفن قبل الظهر في مقبرة الخيزران من الجانب الشرقي، رحمه الله تعالى.


ونباتة: بضم النون كما تقدم في جد الخطيب ابن نباتة.


وثجير: بضم الثاء المثلثة وفتح الجيم وسكون الياء المثناة من تحتها، وبعدها راء.


وبقيت الأسماء معروفة.


قال أبو غالب محمد بن أحمد بن سهل: دخلت على أبي الحسن محمد بن علي بن نصر البغدادي صاحب الرسائل وصاحب كتاب " المفاوضة " - قلت: وهو أخو القاضي عبد الوهاب المالكي، وسيأتي ذكرهما في ترجمة عبد الوهاب إن شاء الله تعالى- قال: وكان في مرض موته بواسط، فقعدت عنده قليلاً ثم قمت لأنه كان به قيام، فأنشدني بيت أبي نصر عبد العزيز وهو:

 

متع لحاظك من خلٍ تودعه

 

فما إخالك بعد اليوم بالوادي

 

 ثم قال لي أبو الحسن المذكور: عدت أبا نصر ابن نباتة في اليوم الذي توفي فيه فأنشدني هذا البيت، وودعته وانصرفت، فأخبرت في طريقي أنه توفي، قال الشيخ أبو غالب: وفي تلك الليلة توفي أبو الحسن المذكور، وقد ذكرت تاريخ ذلك في ترجمة عبد الوهاب المالكي.


وقال أبو علي محمد بن وشاح بن عبد الله: سمعت أبا نصر ابن نباتة يقول: كنت يوما قائلاً في دهليزي، فدق عليه الباب، فقلت: من؟ فقال: رجلٌ من أهل المشرق، فقلت: ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل:

 

ومن لم يمت بالسيف مات بغيره

 

تنوعت الأسباب والداء واحـد

 

فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم، فمضى، فلما كان أخر النهار دق عليه الباب، فقلت: من؟ قال رجل من أهل تاهرت من الغرب، ما حاجتك؟ فقال: أنت القائل:

 

ومن لم يمت بالسيف ما بغيره

 

وتنوعت الأسباب والداء واحد

فقلت: نعم، فقال: أرويه عنك؟ فقلت: نعم، وعجبت كيف وصل إلى الشرق والغرب.