ابن السمعاني

تاج الإسلام أبو سعد عبد الكريم بن أبي بكر محمد بن أبي المظفر المنصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن عبد الجبار بن الفضل ابن الربيع بن مسلم بن عبد الله بن عبد المجيد التميمي السمعاني المروزي الفقيه الشافعي الحافظ الملقب قوام الدين؛ ذكره الشيخ عز الدين أبو الحسن علي بن الأثير الجزري في أول مختصره فقال: كان أبو سعد واسطة عقد البيت السمعاني وعينهم الباصرة ويدهم الناصرة، وإليه انتهت رياستهم، وبه كملت سيادتهم، رحل في طلب العلم والحديث إلى شرق الأرض وغربها وشمالها وجنوبها، وسافر إلى ما وراء النهر وسائر بلاد خراسان عدة دفعات، وإلى قومس والري وأصبهان وهمذان، وبلاد الجبال والعراق والحجاز والموصل والجزيرة والشام وغيرها من البلاد التي يطول ذكرها ويتعذر حصرها، ولقي العلماء وأخذ عنهم وجالسهم وروى عنهم واقتدى بأفعالهم الجميلة وآثارهم الحميدة، وكان عدة شيوخه تزيد على أربعة آلاف شيخ، وذكر في بعض أماليه فقال: ودعني عبد الله بن محمد بن غالب أبو محمد الجيلي الفقيه نزيل الأنبار، وبكى وأنشدني:

ولمـا بـرزنـا لـتـوديعـهـم

 

بكوا لؤلؤاً وبكـينـا عـقـيقـا

أداروا علينا كـؤوس الـفـراق

 

وهيهات من سكرها أن نفـيقـا

تولوا فأتبـعـتـهـم أدمـعـي

 

فصاحوا الغريق فصحت الحريقا

 

ومما قيل في المعنى:

تنفست الغـداة غـداة ولـوا

 

وعيرهم معارضة الطـريق

فصاحوا بالحريق، فظلت أبكي

 

فصاحوا بالحريق والغـريق

وصنف التصانيف الحسنة الغزيرة الفائدة، فمن ذلك " تذييل تاريخ بغداد" الذي صنعه الحافظ أبو بكر الخطيب وهو نحو خمسة عشر مجلداً، ومن ذلك " تاريخ مرو " يزيد على عشرين مجلداً، وكذلك " الأنساب" نحو ثماني مجلدات وهو الذي اختصره عز الدين المذكور واستدرك عليه، وهو في ثلاث مجلدات، والمختصر هو الموجود بأيدي الناس والأصل قليل الوجود.

ذكر أبو سعد السمعاني المذكور في ترجمة والده أن أباه حج سنة سبع وتسعين وأربعمائة، ثم عاد إلى بغداد وسمع بها الحديث من جماعة من المشايخ، وكان يعظ الناس في المدرسة النظامية، ويقرأ عليه الحديث، ويحصل الكتب، وأقام كذلك مدة، ثم رحل إلى أصبهان فسمع بها من جماعة كبيرة، ثم رجع إلى خراسان وأقام بمرو إلى سنة تسع وخمسمائة، وخرج إلى نيسابور.

 قال أبو سعد: وحملني وأخي إليها، وسمعنا الحديث من أبي بكر عبد الغفار بن محمد الشيروي وغيره من المشايخ، وعاد إلى مرو، وأدركته المنية وهو شاب ابن ثلاث وأربعين سنة.

وكانت ولادة أبي سعد المذكور بمرو يوم الاثنين الحادي والعشرين من شعبان سنة ست وخمسمائة. وتوفي بمرو في ليلة غرة شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

وكان أبوه محمد إماماً فاضلاً مناظراً محدثاً فقيهاً شافعياً حافظاً، وله الإملاء الذي لم يسبق إلى مثله، تكلم على المتون والأسانيد، وأبان مشكلاتها، وله عدة تصانيف، وكان له شعر غسله قبل موته، وكانت ولادته في جمادى الأولى سنة ست وستين وأربعمائة، وتوفي وقت فراغ الناس من صلاة الجمعة ثاني صفر سنة عشر وخمسمائة، ودفن يوم السبت عند والده أبي المظفر بسفحوان إحدى مقابر مرو، رحمه الله تعالى.

وكان جده المنصور إمام عصره بلا مدافعة، أقر له بذلك الموافق والمخالف، وكان حنفي المذهب متعيناً عند أئمتهم، فحج في سنة اثنتين وستين وأربعمائة وظهر له بالحجاز ما اقتضى انتقاله إلى مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، فلما عاد إلى مرو لقي بسبب انتقاله محناً وتعصباً شديداً، فصبر على ذلك، وصار إمام الشافعية بعد ذلك يدرس ويفتي، وصنف في مذهب الشافعي رضي الله عنه وفي غيره من العلوم تصانيف كثيرة، منها " منهاج أهل السنة " و" الانتصار " و" الرد على القدرية " وغيرها. وصنف في الأصول " القواطع " وفي الخلاف " البرهان" يشتمل على قريب من ألف مسألة خلافية، و" الأوسط "و" الاصطلام " رد فيه على أبي زيد الدبوسي، وأجاب عن الأسرار التي جمعها، وله تفسير القرآن العزيز، وهو كتاب نفيس، وجمع في الحديث ألف حديث عن مائة شيخ، وتكلم عليها فأحسن، وله وعظ مشهور بالجودة، وكانت ولادته في سنة ست وعشرين وأربعمائة في ذي الحجة، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة تسع وثمانين وأربعمائة بمرو، رحمه الله تعالى.

وفي بيتهم جماعة كثيرة علماء رؤساء.

والسمعاني: بفتح السين المهملة وسكون الميم وفتح العين المهملة وبعد الألف نون، هذه النسبة إلى سمعان، وهو بطن من تميم، وسمعت بعض العلماء يقول: يجوز بكسر السين أيضاً.

وكان لأبي سعد عبد الكريم ولد يقال له أبو المظفر عبد الرحيم بكر به والده في سماع الحديث وطاف به في بلاد خراسان وما وراء النهر وأسمعه الحديث وحصل له النسخ وجمع له معجماً لمشايخه في ثمانية عشر جزءاً، وعوالي في مجلدين ضخمين، وشغله بالفقه والأدب والحديث حتى حصل من كل واحد طرفاً صالحاً، وحدث بالكثير ورحل إليه الطلاب، وكان محترماً ببلاده، ومولده في ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت من ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة بنيسابور، وتوفي بمرو ما بين سنة أربع عشرة وستمائة، رحمه الله تعالى.