عبد المحسن الصوري

أبو محمد عبد المحسن بن محمد بن أحمد بن غالب بن غلبون الصوري الشاعر المشهور؛ أحد المحسنين الفضلاء، المجيدين الأدباء، شعره بديع الألفاظ حسن المعاني، رائق الكلام مليح النظام، من محاسن الشام، له ديوان شعر أحسن فيه كل الإحسان، فمن محاسنه قوله:

 

أتـرى بـثـأرٍ أم بـدين

 

علقت محاسنها بعينـي

في لحظها وقـوامـهـا

 

ما في المهند والردينـي

وبوجهها ماء الـشـبـا

 

ب خليط نار الوجنتـين

بكرت علي وقالـت اخ

 

تر خصلة من خصلتين

إما الصدود أو الـفـرا

 

ق فليس عندي غير ذين

فأجبتهـا ومـدامـعـي

 

تنهل مثل المـأزمـين

لا تفعلي، إن حـان ص

 

دك أو فراقك حان حيني

فكأنما قلت انـهـضـي

 

فمضت مسارعةً لبينـي

ثم استقـلـت أين حـل

 

ت عيسها رميت بـأين

ونـوائبٍ أظـهـرن أيا

 

مي إلي بـصـورتـين

سودنهـا وأطـلـنـهـا

 

فرأيت يوماً لـيلـتـين

 

ومنها:

هل بعـد ذلـك مـن يع

 

رفني النضار من اللجين

فلقد جهلتهـمـا لـبـع

 

د العهد بينهما وبـينـي

متكسباً بـالـشـعـر يا

 

بئس الصناعة في اليدين

كانت كذلـك قـبـل أن

 

يأتي علي بن الحسـين

فاليوم حال الشعـر ثـا

 

لثة لحال الـشـعـريين

أغنى وأعفى مدحـه ال

 

عافين عن كذب ومـين

 

وهذه القصيدة عملها عبد المحسن في علي بن الحسين والد الوزير أبي القاسم بن المغربي، وهي قصيدة طويلة جيدة ولها حكاية ظريفة، وهي أنه كان بمدينة عسقلان رئيس يقال له ذو المنقبتين، فجاءه بعض الشعراء وامتدحه بهذه القصيدة وجاء في مديحها:

ولك المناقـب كـلـهـا

 

فلم اقتصرت على اثنتين؟

 

فأصغى الرئيس إلى إنشاده واستحسنها وأجزل جائزته، فلما خرج من عنده قال له بعض الحاضرين: هذه القصيدة لعبد المحسن، فقال: أعلم هذا وأحفظ القصيدة، ثم أنشدها، فقال له ذلك الرجل: فكيف حتى عملت معه هذا العمل من الإقبال عليه والجائزة السنية؟ فقال: لم أفعل ذلك إلا لأجل البيت الذي ضمنها، وهو قوله: ولك المناقب كلها فإن هذا البيت ليس لعبد المحسن، وأنا ذو المنقبتين، فأعلم قطعاً أن هذا البيت ما عمل إلا في، وهو في نهاية الحسن.


ومن شعره أيضاً، وذكر الثعالبي في كتابه الذي جعله ذيلاً على " يتيمة الدهر "، هذه الأبيات لأبي الفرج ابن أبي حصين علي بن عبد الملك الرقي أصلاً، وكان أبوه قاضي حلب، والله أعلم، ولكنها في ديوان عبد المحسن - والثعالبي قد نسب أشياء إلى غير أربابها وغلط فيها، ولعل هذا من جملة الغلط أيضاً - وذكر في ديوانه أنه عملها في أخيه عبد الصمد، وهي:

وأخٍ مسه نـزولـي بـقـرحٍ

 

مثلما مسني من الجوع قـرح

بت ضيفاً له كما حـكـم الـده

 

ر وفي حكمه على الحر قبح

فابتداني يقول وهو من السـك

 

رة بالهم طافح ليس يصـحـو

لم تغربت؟ قلت قال رسول الله

 

والقول منه نصـحٌ ونـجـح

سافروا تغنموا، فقال: وقد قـا

 

ل تمام الحديث صوموا تصحوا

 

وذكر له صاحب " اليتيمة " هذين البيتين:

عندي حدائق شكرٍ غرس جودكم

 

قد مسها عطش فليسق من غرسا

تداركوها وفي أغصانهـا رمـقٌ

 

فلن يعود اخضرار العود إن يبسا

 

واجتاز يوماً بقبر صديق له فأنشده:

عجباً لي وقد مررت على قـب

 

رك كيف اهتديت قصد الطريق

أتراني نسيت عـهـدك يومـاً؟

 

صدقوا ما لميت مـن صـديق

 

ولما ماتت أمه ودفنها وجد عليها وجداً كثيراً فأنشد:

رهينة أحجار ببـيداء دكـدك

 

تولت فحلت عروة المتمسـك

وقد كنت أبكي إن تشكت وإنما

 

أنا اليوم أبكي أنها ليس تشتكي

 

وهذا المعنى مأخوذ من قول المتنبي:

وشكيتي فقد السقـام لأنـه

 

قد كان لما كان لي أعضاء

 

 وقد استعمل أبو محمد عبد الله بن محمد المعروف بابن سنان الخفاجي الحلبي هذا المعنى في بيت من جملة قصيدة طويلة فقال:

 

بكى الناس أطلال الديار وليتني

 

وجدت دياراً للدموع السواكب

ومحاسنه كثيرة، والاقتصار أولى.

وتوفي يوم الأحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة، وعمره ثمانون سنة أو أكثر، رحمه الله تعالى.

وغلبون: بفتح الغين المعجمة وسكون اللام وضم الباء الموحدة وبعد الواو نون.

والصوري قد تقدم الكلام عليه.