أبو عمرو ابن الحاجب

أبو عمرو عثمان بن عمر بن أبي بكر ابن يونس الدوني ثم المصري الفقيه المالكي المعروف بابن الحاجب، الملقب جمال الدين؛ كان والده حاجباً للأمير عز الدين موسك الصلاحي وكان كردياً، واشتغل ولده أبو عمرو المذكور بالقاهرة في صغره بالقرآن الكريم، ثم بالفقه على مذهب الإمام مالك، رضي الله عنه، ثم بالعربية والقراءات، وبرع في علومه وأتقنها غاية الإتقان، ثم انتقل إلى دمشق ودرس بجامعها في زاوية المالكية، واكب الخلق على الاشتغال عليه، والتزم لهم الدروس وتبحر في الفنون، وكان الأغلب عليه علم العربية، وصنف مختصراً في مذهبه، ومقدمة وجيزة في النحو، وأخرى مثلها في التصريف وشرح المقدمتين وله:

أي غدٌ مـع يدٍ ددٍ ذي حـروفٌ

 

طاوعت في الروي وهي عيون

ودواة والحوت والنـون نـونـا

 

ت عصتهم وأمرها مستـبـين

 

وهو جواب عن البيتين المشهورين وهما:

ربما عالج القوافي رجالٌ

 

في القوافي فتلتوي وتلين

طاوعتهم عينٌ وعين وعين

 

وعصتهم نون ونون ونون

 

فيعني بقوله " عين وعين وعين " نحو غد ويدٍ وددٍ، فإن وزن كل منها " فع " إذ أصل غد: غدوٌ ويد: يديٌ ودد: ددن، وبقوله "نون ونون ونون " الدواة والحوت والنون الذي هو الحرف، وله أيضاً في أسماء قداح الميسر ثلاثة أبيات، وهي:

هي فذ وتـوأم ورقـيب

 

ثم حلس ونافس ثم مسبل

والمعلى والوغد ثم سفيح

 

ومنيح وذي الثلاثة تهمل

ولكلٍ مما عداها نصيب

 

مثله أن تعـد أول أول

 

وصنف في أصول الفقه، وكل تصانيفه في نهاية الحسن والإفادة، وخالف النحاة في مواضع، وأورد عليهم إشكالات وإلزامات تبعد الإجابة عنها، وكان من أحسن خلق الله ذهناً.


ثم عاد إلى القاهرة وأقام بها والناس ملازمون للاشتغال عليه، وجاءني مراراً بسبب أداء شهادات، وسألته عن مواضع في العربية مشكلة، فأجاب أبلغ إجابة بسكون كثير وتثبت تام، ومن جملة ما سألته عن مسألة اعتراض الشرط على الشرط في قولهم " إن أكلت إن شربت فأنت طالق " لم تعين تقديم الشرب على الأكل بسبب وقوع الطلاق حتى لو أكلت ثم شربت لا تطلق؟ وسألته عن بيت أبي الطيب المتنبي وهو قوله:

لقد تصبرت حتى لات مصطبر

 

فالآن أقحم حتى لات مقتحـم

ما السبب الموجب لخفض مصطبر ومقتحم، ولات ليست من أدوات الجر؟ فأطال الكلام فيهما وأحسن الجواب عنهما، ولولا التطويل لذكرت ما قاله. ثم انتقل إلى الإسكندرية للإقامة بها، فلم تطل مدته هناك، وتوفي بها ضاحي نهار الخميس السادس والعشرين من شوال سنة ست وأربعين وستمائة، ودفن خارج باب البحر بتربة الشيخ الصالح ابن أبي شامة؛ وكان مولده في آخر سنة سبعين وخمسمائة بأسنا، رحمه الله تعالى.

وأسنا: بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وفتح النون وبعدها ألف، وهي بليدة صغيرة من الأعمال القوصية بالصعيد الأعلى من مصر.