ابن جني

أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي النحوي المشهور؛ كان إماماً في علم العربية، قرأ الأدب على الشيخ أبي علي الفارسي - المقدم ذكره في حرف الحاء - وفارقه وقعد للإقراء بالموصل، فاجتاز بها شيخه أبو علي فرآه في حلقته والناس حوله يشتغلون عليه، فقال له " زببت وأنت حصرم "، فترك حلقته وتبعه ولازمه حتى تمهر.

وكان أبوه جني مملوكاً رومياً لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي، وإلى هذا أشار بقوله في جملة أبيات:

فإن أصبح بلا نـسـب

 

فعلمي في الورى نسبي

على أنـي أؤول إلـى

 

قرومٍ سـادة نـجـب

قياصرة إذا نـطـقـوا

 

أرم الدهر ذو الخطـب

أولاك دعا النبي لـهـم

 

كفى شرفاً دعاء نبـي

 

" أرم " بمعنى سكت.


وله أشعار حسنة، ويقال أنه كان أعور، وفي ذلك يقول - وقيل إن هذه الأبيات لأبي منصور الديلمي:

صدودك عني ولا ذنب لي

 

يدل على نـية فـاسـدة

فقد وحياتك مما بـكـيت

 

خشيت على عيني الواحدة

ولولا مخـافة أن لا أراك

 

لما كان في تركها فـائدة

 

ورأيت له قصيدة بائية يرثي بها المتنبي ولولا طولها لأتيت بها.


وأما أبو منصور الديلمي فالمشهور عنه غير هذه التسمية، وأنه أبو الحسن علي بن منصور، وكان أبوه من جند سيف الدولة بن حمدان، وكان شاعراً مجيداً خليعاً، وكان بفرد عين، وله في ذلك أشياء مليحة فمن ذلك قوله:

يا ذا الذي ليس لـه شـاهـدٌ

 

في الحب معروفٌ ولا شاهده

شواهدي عيناي إنـي بـهـا

 

بكيت حتى ذهـبـت واحـدة

وأعجب الأشـياء أن الـتـي

 

قد بقيت في صحبتي زاهـده

 

وله في غلام جميل الصورة بفرد عين، وقد أبدع فيه:

له عين أصابت كل عين

 

وعين قد أصابتها العيون

 

ولابن جني من التصانيف المفيدة في النحو كتاب " الخصائص " و" سر الصناعة " و" المنصف في شرح تصريف أبي عثمان المازني " و" التلقين في النحو " و" التعاقب " و" الكافي في شرح القوافي " للأخفش، و" المذكر والمؤنث " و"المقصور والممدود " و"التمام في شرح شعر الهذليين " و" المنهج في اشتقاق أسماء شعراء الحماسة " ومختصر في العروض ومختصر في القوافي و" المسائل الخاطريات " و"التذكرة الأصبهانية " و" مختار تذكرة أبي علي الفارسي " وتهذيبها و" المقتضب " في المعتل العين و" اللمع " و" التنبيه " و" المهذب " و" التبصرة " وغير ذلك، ويقال: إن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أخذ منه أسماء كتبه، فإن له " المهذب " و" التنبيه " في الفقه، و" اللمع "و " التبصرة " في أصول الفقه. وشرح ابن جني ديوان المتنبي نسماه الفسر وكان قد قرأ الديوان على صاحبه، ورأيت في شرحه قال: سأل شخص أبا الطيب المتنبي عن قوله:

بادٍ هواك صبرت أم لم تصبرا

 

فقال: كيف أثبت الألف في " تصبرا " مع وجود لم الجازمة، وكان من حقه أن يقول " لم تصبر "، فقال المتنبي: لو كان أبو الفتح هاهنا لأجابك، يعنيني، وهذه الألف هي بدل من نون التأكيد الخفيفة، كان في الأصل " لم تصبرن " ونون التأكيد الخفيفة إذا وقف الإنسان عليها أبدل منها ألفاً، قال الأعشى:

ولا تعبد الشيطان والله فاعبدا

وكان الأصل فاعبدن فلما وقف أتى بالألف بدلاً.

وكانت ولادة ابن جني قبل الثلاثين والثلثمائة بالموصل. وتوفي يوم الجمعة لليلتين بقيتا من صفر سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة، رحمه الله تعالى، ببغداد.

وجني: بكسر الجيم وتشديد النون وبعدها ياء.