المقنع الخراساني

اسمه عطاء، ولا أعرف اسم أبيه وقيل اسمه حكيم، والأول أشهر؛ وكان في مبدأ أمره قصاراً من أهل مرو، وكان يعرف شيئاً من السحر والنيرجات فادعى الربوبية من طريق المناسخة، وقال لأشياعه والذين اتبعوه: إن الله سبحانه وتعالى تحول إلى صورة آدم، ولذلك قال للملائكة: اسجدوا له فسجد إلا إبليس فاستحق بذلك السخط، ثم تحول من آدم إلى صورة نوح عليه السلام، ثم إلى صورة واحد فواحد من الأنبياء عليهم السلام والحكماء حتى حصل في صورة أبي مسلم الخراساني - المقدم ذكره - ثم زعم أنه انتقل إليه منه، فقبل قوم دعواه وعبدوه وقاتلوا دونه، مع ما عاينوا من عظيم ادعائه وقبح صورته، لأنه كان مشوه الخلق أعور ألكن قصيراً، وكان لا يسفر عن وجهه بل اتخذ وجهاً من ذهب فتقنع به، فلذلك قيل له "المقنع "، وإنما غلب على عقوله بالتمويهات التي أظهرها لهم بالسحر والنيرجات. وكان في جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع ويراه الناس من مسافة شهرين من موضعه، ثم يغيب،فعظم اعتقادهم به، وقد ذكر أبو العلاء المعري هذا القمر في قوله:

أفق إنما البدر المقنع رأسـه

 

ضلالٌ وغيٌ مثل البدر المقنع

 

وهذا البيت من جملة قصيدة طويلة، وإليه أشار أبو القاسم هبة الله بن سناء الملك الشاعر - الآتي ذكره - في جملة قصيدة طويلة بقوله:

إليك فما بدر المقنع طالـعـاً

 

بأسحر من ألحاظ بدر المعمم

ولما اشتهر أمر المقنع وانتشر ذكره ثار عليه الناس، وقصدوه في قلعته التي كان اعتصم بها وحصروه، فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وسقاهن سماً فمتن منه ثم تناول شربة من ذلك السم فمات، ودخل المسلمون قلعته فقتلوا من فيها من أشياعه وأتباعه، وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة، لعنه الله تعالى، ونعوذ بالله من الخذلان.

قلت: ولم أر أحداً ذكر هذه القلعة وأين هي حتى أذكرها، ثم رأيت في كتاب الشهاب ياقوت الحموي - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - الذي وضعه في معرفة المواضع المشتركة، فقال في باب سنام بفتح السين: إنها أربعة مواضع والموضع الرابع منها سنام قلعة عمرها المقنع الخارجي بما وراء النهر، والله أعلم، والظاهر أنها هذه القلعة، ثم وجدت في أخبار خراسان أنها هي، وأنها من رستاق كش، والله أعلم.