أبو الحسن العسكري

أبو الحسن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضا - المقدم ذكره - وهو حفيد الذي قبله، فلا حاجة إلى رفع نسبه، ويعرف بالعسكري؛ وهو أحد الأئمة الاثني عشر عند الإمامية، كان قد سعي به إلي المتوكل وقيل إن في منزله سلاحاً وكتاباً وغيرها من شيعته، وأوهموه أنه يطلب الأمر لنفسه، فوجه إليه بعدة من الأتراك ليلاً فهجموا عليه في منزله على غفلة، فوجدوه وحده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر، وعلى رأسه ملحفة من صوف وهو مستقبل القبلة يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد، ليس بينه وبين الأرض بساط ألا الرمل والحصى، فأخد على الصورة التي وجد عليها وحمل إلى المتوكل في جوف الليل، فمثل بين يديه والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه وأجلسه إلى جنبه، ولم يكن في منزله شيء مما قيل عنه ولا حالة يتعلق عليه بها، فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده، فقال: يا أمير المؤمنين، ما خامر لحمي ودمي قط فأعفني منه، فأعفاه وقال: أنشدني شعراً أستحسنه، فقال: إني لقليل الرواية للشعر، قال: لابد أن تنشدني فأنشده:

باتوا على قلل الأجبال تحرسهـم

 

غلب الرجال فما أغنتهم القلـل

واستنزلوا بعد عزٍ من معاقلهـم

 

فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلـوا

ناداهم صارخٌ من بعد قـبـروا

 

أين الأسرة والتيجان والحـلـل

أين الوجوه التي كانت منـعـمةً

 

من دونها تضرب الأستار والكلل

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهـم

 

تلك الوجوه عليها الدود يقتـتـل

قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا

 

فأصبح بعد طول الأكل قد أكلوا

قال: فأشفق من حضر على علي وظن أن بادرة تبدر إليه، فبكى المتوكل بكاء كثيراً حتى بلت دموعه لحيته وبكى من حضره، ثم أمر برفع الشراب ثم قال: يا أبا الحسن، أعليك دين؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار، فأمر بدفعها إليه ورده إلى منزله مكرماً.

وكانت ولادته يوم الأحد ثالث عشر رجب، وقيل يوم عرفة سنة أربع عشرة وقيل ثلاث عشرة ومائتين. ولما كثرت السعاية في حقه عند المتوكل أحضره من المدينة وكان مولده بها، وأقره بسر من رأى وهي تدعى بالعسكر، لأن المعتصم لما بناها انتقل إليها بعسكره، فقيل لها العسكر، ولهذا قيل لأبي الحسن المذكور العسكري لأنه منسوب إليها، فأقام بها عشرين سنة وتسعة أشهر. وتوفي بها يوم الاثنين لخمس بقين من جمادى الآخرة، وقيل لأربع بقين منها وقيل في رابعها، وقيل في ثالث رجب سنة أربع وخمسين ومائتين، ودفن في داره، رحمه الله تعالى.