أبو الحسن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين المذكور قبله؛ وهو أحد الأئمة الاثني عشر على اعتقاد الإمامية، وكان المأمون قد زوجه ابنته أم حبيب في سنة اثنتين ومائتين وجعله ولي عهده، وضرب اسمه على الدينار والدرهم، وكان السبب في ذلك أنه استحضر أولاد العباس الرجال منهم والنساء، وهو بمدينة مرو من بلاد خراسان، وكان عددهم ثلاثة وثلاثين ألفاً ما بين الكبار والصغار، واستدعى علياً المذكور فأنزله أحسن منزلة، وجمع خواص الأولياء وأخبرهم أنه نظر في أولاد العباس وأولاد علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، فلم يجد في وقته أحداً أفضل ولا أحق بالأمر من علي الرضا فبايعه، وأمر بإزالة السواد من اللباس والأعلام؛ ونمي الخبر إلى من بالعراق من أولاد العباس، فعلموا أن في ذلك خروج الأمر عنهم، فخلعوا المأمون وبايعوا إبراهيم بن المهدي - المقدم ذكره - وهو عم المأمون، وذلك يوم الخميس لخمس خلون من المحرم سنة اثنتين، وقيل سنة ثلاث ومائتين، والشرح في ذلك يطول والقصة مشهورة، وقد اختصرته في ترجمة إبراهيم بن المهدي.
وكانت ولادة علي الرضا يوم الجمعة في بعض شهور سنة ثلاث وخمسين ومائة بالمدينة، وقيل بل ولد سابع شوال، وقيل ثامنه، وقيل سادسه، سنة إحدى وخمسين ومائة. وتوفي في آخر يوم من صفر سنة اثنتين ومائتين، بل توفي خامس ذي الحجة، وقيل ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث ومائتين، بمدينة طوس وصلى عليه المأمون ودفنه ملاصق قبر أبيه الرشيد، وكان سبب موته أنه أكل عنباً فأكثر منه، وقيل بل كان مسموماً فاعتل منه ومات، رحمه الله تعالى.
وفيه يقول أبو نواس:
قيل لي أنت أحسن الناس طراً |
|
في فنونٍ من الكلام النـبـيه |
لك من جيد القـريض مـديحٌ |
|
يثمر الدر في يدي مجتنـيه |
فعلام تركت مدح ابن موسى |
|
والخصال التي تجمعن فـيه |
قلت لا أستطيع مـدح إمـامٍ |
|
كان جبريل خـادمـاً لأبـيه |
وكان سبب قوله هذه الأبيات أن بعض أصحابه قال له: ما رأيت أوقح منك، ما تركت خمراً ولا طرداً ولا معنى إلا قلت فيه شيئاً، وهذا علي بن موسى الرضا في عصرك لم تقل فيه شيئاً، فقال: والله ما تركت ذلك إلا إعظاماً له، وليس قدر مثلي أن يقول في مثله، ثم أنشده بعد ساعة هذه الأبيات.
وفيه يقول أيضاً وله ذكر في " شذور العقول " في سنة إحدى أو اثنتين ومائتين:
مطهرون نـقـياتٌ جـيوبـهـم |
|
تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا |
من لم يكن علوياً حين تنـسـبـه |
|
فما له في قديم الدهر مفتخـر |
الله لما برا خلقـاً فـأتـقـنـه |
|
صفاكم واصطفاكم أيها البشـر |
وأنتم الملأ الأعلى وعـنـدكـم |
|
علم الكتاب وما جاءت به السور |
وقال المأمون يوماً لعلي بن موسى الرضا المذكور: ما يقول بنو أبيك في جدنا العباس بن عبد المطلب؟ فقال: ما يقولون في رجل فرض الله طاعة بنيه على خلقه وفرض طاعته على بنيه، فأمر له بألف ألف درهم.
وكان قد خرج أخوه زيد بن موسى بالبصرة على المأمون، وفتك بأهلها، فأرسل إليه المأمون أخاه علياً المذكور يرده عن ذلك، فجاءه وقال له: ويلك يا زيد، فعلت بالمسلمين بالبصرة ما فعلت، وتزعم أنك ابن فاطمة بنت رسول الله، صلى الله عليه وسلم! والله لأشد الناس عليك رسول الله، صلى اله عليه وسلم، يا زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله، صلى اله عليه وسلم، أن يعطي به، فبلغ كلامه المأمون، فبكى وقال: هكذا ينبغي أن يكون أهل بيت رسول الله، صلى اله عليه وسلم.
قلت: وآخر هذا الكلام مأخوذ من كلام علي زين العابدين - المقدم ذكره - فقد قيل: إنه كان إذا سافر كتم نفسه، فقيل له في ذلك فقال: أنا أكره أن آخذ برسول الله، صلى اله عليه وسلم، ما لا أعطي به.