القاضي أبو الحسن الجرجاني

القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني الفقيه الشافعي؛ كان فقيهاً أديباً شاعراً، ذكره الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في كتاب " طبقات الفقهاء " وقال: له ديوان شعر وهو القائل:

يقولون لي فيك انقبـاض وإنـمـا

 

رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما

 

وهي أبيات طويلة ومشهورة، فلا حاجة إلى ذكرها. وذكره الثعالبي في كتاب " يتيمة الدهر " فقال: " هو فرد الزمان، ونادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم، وقبة تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، يجمع خط ابن مقلة إلى نثر الجاحظ ونظم البحتري، وقد كان في صباه خلف الخضر في قطع الأرض وتدويخ بلاد العراق والشام وغيرها، واقتبس من أنواع العلوم والآداب ما صار به في العلوم علماً، وفي الكمال عالماً " وأورد له مقاطيع كثيرة من الشعر، فمن ذلك قوله:

 

قد برح الحب بمشتاقك

 

فأوله أحسن أخلاقـك

ولا تجفه وارع له حقه

 

فإنه آخر عشـاقـك

 

وأنشدني صاحبنا الحسام عيسى بن سنجر بن بهرام المعروف بالحاجري - الآتي ذكره - لنفسه دوبيت في هذا المعنى وهو:

يا عارضه فـديت بـالأحـداق

 

لم يبق على العهود غيري باقي

ناشدتك إلا ما عسى ترفق بـي

 

في الحب فإني آخر العشـاق

 

وله من أبيات:

وقالوا توصل بالخضوع إلى الغنى

 

وما علموا أن الخضوع هو الفقر

وبيني وبين المال شـيئان حـرمـا

 

علي الغنى: نفسي الأبية والدهـر

إذا قيل هذا اليسر أبصرت دونـه

 

مواقف خيرٌ من وقوفي بها العسر

 

وله أيضاً:

وقالوا اضطرب في الأرض فالرزق واسع

 

فقلت ولكن مـوضـع الـرزق ضـيق

إذا لم يكن فـي الأرض حـر يعـينـنـي

 

ولم يك لـي كـسـبٌ فـمـن أين أرزق

 

وله أيضاً في الصاحب بن عباد:

ولا ذنب للأفكار أنت تركتهـا

 

إذا احتشدت لم تنتفع باحتشادها

سبقت لأفراد المعاني وألفـت

 

خواطرك الألفاظ بعد شرادها

فأن نحن حاولنا اختراع بـديعة

 

حصلنا على مسروقها ومعادها

 

وله فيه يهنيه بالعافية من جملة أبيات:

أفي كل يوم للـمـكـارم روعةٌ

 

لها في قلوب المكرمات وجـيب

تقسمت العلياء جسـمـك كـلـه

 

فمن أين للأسقام فيه نـصـيب

إذا ألمت نفس الوزير تـألـمـت

 

لها أنفسٌ تحيا بـهـا وقـلـوب

ووالله لاحظت وجـهـاً أحـبـه

 

حياتي، وفي وجه الوزير شحوب

وليس شحوباً ما أراه بـوجـهـه

 

ولكنه في المكـرمـات نـدوب

فلا تجزعن تلك السماء تغيمـت

 

وعما قليل تبتـدي فـتـصـوب

 

وله:

ما تطعمت لذة العيش حـتـى

 

صرت للبيت والكتاب جليسـا

ليس شيء أعز عندي من العل

 

م فما أبتغي سـواه أنـيسـا

إنما الذل في مخالـطة الـنـا

 

س فدعهم وعش عزيزاً رئيسا

 

وله:

ما لي وما لك يا فراق

 

أبداً رحيلٌ وانطـلاق

يانفس موتي بعدهـم

 

فكذا يكون الاشتـياق

وشعره كثير وطريقه فيه سهل، وله كتاب " الوساطة بين المتنبي وخصومه " أبان فيه عن فضل غزير واطلاع كثير ومادة متوفرة.

وذكر الحاكم أبو عبد الله ابن البيع في " تاريخ النيسابوريين " أنه توفي في سلخ صفر سنة ست وستين وثلثمائة بنيسابور وعمره ست وسبعون سنة، رحمه الله تعالى، وقال غيره: إنه كان حسن السيرة في قضائه صدوقاً، ورد به أخوه محمد نيسابور في سنة سبع وثلاثين وثلثمائة وهو صغير غير بالغ، وسمعا من سائر الشيوخ، ومات بالري وهو قاضي القضاة في سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة، وحمل تابوته إلى جرجان ودفن بها، ونقل الحاكم أثبت وأصح.

وجرجان: بضم الجيم وسكون الراء وفتح الجيم الثانية وبعد الألف نون، وهي مدينة عظيمة من ناحية خراسان.