السيف الآمدي

أبو الحسن علي بن أبي علي بن محمد بن سالم التغلبي الفقيه الأصولي، الملقب سيف الدين الآمدي؛ كان في أول اشتغاله حنبلي المذهب، وانحدر إلى بغداد وقرأ بها على ابن المني أبي الفتح نصر بن فتيان الحنبلي، وبقي على ذلك مدة ثم انتقل إلى مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، وصحب الشيخ أبا القاسم بن فضلان واشتغل عليه في الخلاف وتميز فيه، وحفظ طريقة الشريف وزوائد طريقة أسعد الميهني - المقدم ذكره - ثم انتقل إلى الشام واشتغل بفنون المعقول وحفظ منه الكثير وتمهر فيه وحصل منه شيئاً كثيراً، ولم يكن في زمانه أحفظ منه لهذه العلوم. ثم انتقل إلى الديار المصرية وتولى الإعادة بالمدرسة المجاورة لضريح الإمام الشافعي، رضي الله عنه، التي بالقرافة الصغرى، وتصدر بالجامع الظافري بالقاهرة مدة، واشتهر بها فضله واشتغل عليه الناس وانتفعوا به، ثم حسده جماعة من فقهاء البلاد وتعصبوا عليه ونسبوه إلى فساد العقيدة وانحلال الطوية والتعطيل ومذهب الفلاسفة والحكماء، وكتبوا محضراً يتضمن ذلك، ووضعوا فيه خطوطهم بما يستباح به الدم؛ وبلغني عن رجل منهم فيه عقل ومعرفة أنه لما رأى تحاملهم عليه وإفراط التعصب كتب في المحضر وقد حمل إليه ليكتب فيه مثل ما كتبوا فكتب:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه

 

فالقوم أعداءٌ له وخـصـوم

والله أعلم، وكتب فلان بن فلان. ولما رأى سيف الدولة تألبهم عليه وما اعتمدوه في حقه، ترك البلاد وخرج منها مستخفياً وتوصل إلى الشام، واستوطن مدينة حماة.

وصنف في أصول الفقه والدين والمنطق والحكمة والخلاف، وكل تصانيفه مفيدة. فمن ذلك كتاب " أبكار الأفكار " في علم الكلام واختصره في كتاب سماه " منائح القرائح " و"رموز الكنوز " وله " دقائق الحقائق " و" لباب الألباب " و" منتهى السول في علم الأصول "، وله طريقة في الخلاف، ومختصر في الخلاف أيضاً وشرح جدل الشريف، وله مقدار عشرين تصنيفاً.

وانتقل إلى دمشق ودرس بالمدرسة العزيزية وأقام بها زماناً، ثم عزل عنها لسبب تهم فيه وأقام بطالاً في بيته. وتوفي على تلك الحال في رابع صفر يوم الثلاثاء سنة إحدى وثلاثين وستمائة ودفن بسفح جبل قاسيون. وكانت ولادته في سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

والآمدي: بالهمزة الممدودة والميم المكسورة وبعدها دال مهملة، هذه النسبة إلى آمد، وهي مدينة كبيرة في ديار بكر مجاورة لبلاد الروم.
وكان أبو الفتح نصر بن فتيان بن المني المذكور فقيهاً محدثاً، انتفع به جماعة كبيرة. ومولده سنة إحدى وخمسمائة، وتوفي خامس شهر رمضان سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.