الدارقطني

أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد بن مهدي البغدادي الدارقطني الحافظ المشهور؛ كان عالماً حافظاً فقيهاً على مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، أخذ الفقه عن أبي سعيد الإصطخري الفقيه الشافعي، وقيل بل أخذه عن صاحب لأبي سعيد، وأخذ القراءة عرضاً وسماعاً عن محمد بن الحسن النقاش وعلي بن سعيد القزاز ومحمد بن الحصين الطبري ومن في طبقتهم، وسمع من أبي بكر بن مجاهد وهو صغير، وانفرد بالإمامة في علم الحديث في دهره، ولم ينازعه في ذلك أحد من نظرائه، وتصدر في آخر أيامه للإقراء ببغداد. وكان عارفاً باختلاف الفقهاء ويحفظ كثيراً من دواوين العرب، منها ديوان السيد الحميري، فنسب إلى التشيع لذلك. وروى عنه الحافظ أبو نعيم الأصبهاني صاحب " حلية الأولياء " وجماعة كثيرة، وقبل القاضي ابن معروف شهادته في سنة ست وسبعين وثلثمائة، فندم على ذلك وقال: كان يقبل قولي على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بانفرادي، فصار لا يقبل قولي على نقلي إلا مع آخر.

وصنف كتاب " السنن " و" المختلف والمؤتلف " وغيرهما، وخرج من بغداد إلى مصر قاصداً أبا الفضل جعفر بن الفضل المعروف بابن حنزابة وزير كافور الإخشيدي - المذكور في حرف الجيم - فإنه بلغه أن أبا الفضل عازم على تأليف مسند فمضى إليه ليساعده عليه، وأقام عنده مدة، وبالغ أبو الفضل في إكرامه وأنفق عليه نفقة واسعة وأعطاه شيئاً كثيراً وحصل له بسببه مال جزيل. ولم يزل عنده حتى فرغ المسند، وكان يجتمع هو والحافظ عبد الغني بن سعيد - المقدم ذكره - على تخريج المسند وكتابته إلى أن نجز.

وقال الحافظ عبد الغني المذكور: أحسن الناس كلاماً على حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثلاثة: علي بن المديني في وقته، وموسى بن هارون في وقته، والدارقطني في وقته.

وسأل الدارقطني يوماً أحد أصحابه: هل رأى الشيخ مثل نفسه؟ فامتنع من جوابه، وقال: قال الله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم)، فألح عليه، فقال: إن كان في فن واحد فقد رأيت من هو أفضل مني، وإن كان من اجتمع فيه ما اجتمع في فلا، وكان مفنناً في علوم كثيرة وإماماً في علوم القرآن.

وكانت ولادة الحافظ المذكور في ذي القعدة سنة ست وثلثمائة. وتوفي يوم الأربعاء لثمان خلون من ذي القعدة، وقيل ذي الحجة، سنة خمس وثمانين وثلثمائة ببغداد، وصلى عليه الشيخ أبو حامد الإسفرايني الفقيه المشهور المقدم ذكره. ودفن قريباً من معروفٍ الكرخي، في مقبرة باب الدير، رحمه الله تعالى.

والدارقطني: بفتح الدال المهملة وبعد الألف راء مفتوحة ثم قاف مضمومة وبعدها طاء مهملة ساكنة ثم نون، هذه النسبة إلى دار القطن وكانت محلة كبيرة ببغداد.