الشريف المرتضى

الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الطاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه؛ كان نقيب الطالبيين وكان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر، وهو أخو الشريف الرضي - وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى - وله تصانيف على مذهب الشيعة ومقالة في أصول الدين، وله ديوان شعر كبير، وإذا وصف الطيف أجاد فيه، وقد استعمله في كثير من المواضع. وقد اختلف الناس في كتاب " نهج البلاغة " المجموع من كلام الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، هل هو جمعه أم جمع أخيه الرضي؟ وقد قيل: إنه ليس من كلام علي، وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه، والله أعلم. وله الكتاب الذي سماه " الغرر والدرر " وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك، وهو كتاب ممتع يدل على فضل كثير، وتوسع في الاطلاع على العلوم.

وذكره ابن بسام الأندلسي في أواخر كتاب " الذخيرة " فقال: كان هذا الشريف إمام أئمة العراق، بين الاختلاف والاتفاق، إليه فزع علماؤها، وعنه أخذ عظماؤها، صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها، ممن سارت أخباره، وعرفت له أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، إلى تواليفه في الدين، وتصانيفه في أحكام المسلمين، مما يشهد أنه فرع تلك الأصول، ومن أهل ذلك البيت الجليل، وأورد له عدة مقاطيع، فمن ذلك قوله:

ضن عني بالنزر إذ أنا يقظا

 

ن وأعطى كثيره في المنام

والتقينا كما اشتهينا ولا عـي

 

ب سوى أن ذاك في الأحلام

وإذا كانت المـلاقـاة لـيلاً

 

فالليالـي خـيرٌ مـن الأيام

 

قلت: وهذا من قول أبي تمام الطائي:

استزارته فكرتي في المنام

 

فأتاني في خفية واكتتـام

يا لها زورةً تلـذذت الأر

 

واح فيها سراً من الأجسام

مجلسٌ لم يكن لنا فيه عيب

 

غير أنا في دعوة الأحلام

 

ومن شعره أيضاً:

يا خليلـي مـن ذؤابة قـيسٍ

 

في التصابي رياضة الأخلاق

عللاني بذكرهم تطـربـانـي

 

واسقياني دمعي بكأسٍ دهاق

وخذا النوم من جفوني فإنـي

 

قد خلعت الكرى على العشاق

 

فلما وصلت هذه الأبيات إلى البصروي الشاعر قال:المرتضى قد خلع ما لا يملك على من لا يقبل.


ومن شعره أيضاً:

ولما تفرقنا كما شاءت النوى

 

تبين ودٌ خـالـصٌ وتـودد

كأني وقد سار الخليط عشيةً

 

أخو جنةً مما أقوم وأقعـد

 

ومعنى البيت الأول مأخوذ من قول المتنبي في مديح عضد الدولة بن بويه من جملة قصيدته الكافية التي ودعه بها لما عاد من خدمته من شيراز إلى العراق وقتل في الطريق، كما هو مشروح في ترجمة المتنبي وهو:

وفي الأحباب مختصٌ بوجدٍ

 

وآخر يدعي معه اشتراكا

إذا اشتبهت دموعٌ في خدودٍ

 

تبين من بكى ممن تباكى

 

ونقلت من كتاب " جنان الجنان ورياض الأذهان " الذي صنفه القاضي الرشيد أبو الحسين أحمد المعروف بابن الزبير الغساني - المقدم ذكره - ما نسبه إلى الشريف المرتضى المذكور، وهو:

بينـي وبـين عـواذلـي

 

في الحب أطراف الرماح

أنا خارجيٌّ في الـهـوى

 

لا حكـم إلا لـلـمـلاح

 

ونسب إليه أيضاً:

مولاي يا بـدر كـل داجـية

 

خذ بيدي قد وقعت في اللجج

حسنك ما تنقضي عجـائبـه

 

كالبحر حدث عنه بلا حرج

بحق من خط عارضيك ومن

 

سلط سلطانها على المهـج

مد يديك الكريمتين مـعـي

 

ثم ادع لي من هواك بالفرج

 

وذكر له أيضاً:

قل لمن خده من اللحـظ دامٍ

 

رق لي من جوانح فيك تدمى

يا سقيم الجفون من غير سقم

 

لا تلمني إن مت منهن سقما

أنا خاطرت في هواك بقلـبٍ

 

ركب البحر فيك إمـا وإمـا

 

وحكى الخطيب أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي اللغوي أن أبا الحسن علي ابن أحمد بن علي بن سلك الفالي الأديب كانت له نسخة بكتاب " الجمهرة " لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها واشتراها الشريف المرتضى أبو القاسم المذكور بستين ديناراً، وتصفحها فوجد بها أبياتاً بخط بائعها أبي الحسن الفالي وهي:

أنست بها عشرين حولاً وبعتها

 

لقد طال وجدي بعدها وحنيني

وما كان ظني أنني سأبيعـهـا

 

ولو خلدتني في السجون ديوني

ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبـيةٍ

 

صغارٍ عليهم تستهل شؤونـي

فقلت ولم أملك سوابق عبـرةٍ

 

مقالة مكوي الفـؤاد حـزين:

"وقد تخرج الحاجات يا أم مالك

 

كرائم من ربٍ بهن ضنـين "

وهذا الفالي منسوب إلى فالة - بالفاء - وهي بلدة بخوزستان قريبة من إيذج، أقام بالبصرة لمدة طويلة، وسمع بها من أبي عمرو ابن عبد الواحد الهاشمي وأبي الحسن ابن النجاد وشيوخ ذلك الوقت، وقدم بغداد واستوطنها وحدث بها. وأما جده سلك فهو بفتح السين المهملة وتشديد اللام وفتحها وبعدها كاف، هكذا وجدته مقيداً، ورأيت في موضع آخر بكسر السين وسكون اللام، والله أعلم بالصواب.

وملح الشريف المرتضى وفضائله كثيرة. وكانت ولادته في سنة خمس وخمسين وثلثمائة. وتوفي يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الأول سنة ست وثلاثين وأربعمائة ببغداد، ودفن في داره عشية ذلك النهار، رحمه الله تعالى.

وكانت وفاة أبي الحسن الفالي المذكور في ذي القعدة سنة ثمان وأربعين وأربعمائة ليلة الجمعة ثامن الشهر المذكور، ودفن في مقبرة جامع المنصور، وكان أديباً شاعراً. روى عنه الخطيب أبو بكر صاحب " تاريخ بغداد "، وأبو الحسين ابن الطيوري وغيرهما، رحمهم الله أجمعين.