عز الدين ابن الأثير الجزري

عز الدين ابن الأثير الجزري

أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، الملقب عز الدين، ولد بالجزيرة ونشأ بها، ثم سار إلى الموصل مع والده وأخويه - الآتي كرهما إن شاء الله تعالى - وسكن الموصل وسمع بها من أبي الفضل عبد الله أحمد الخطيب الطوسي ومن فيه طبقته، وقدم بغداد مراراً حاجاً ورسولاً من صاحب الموصل وسمع بها من الشيخين أبي القاسم يعيش بن صدقة الفقيه الشافعي وأبي أحمد عبد الوهاب بن علي الصوفي وغيرهما، ثم رحل إلى الشام والقدس وسمع هناك من جماعة، ثم عاد إلى الموصل ولزم بيته منقطعاً إلى التوفر على النظر في العلم والتصنيف، وكان بيته مجمع الفضل لأهل الموصل والواردين عليها.

وكان إماماً في حفظ الحديث ومعرفته وما يتعلق به، وحافظاً للتواريخ المتقدمة والمتأخرة، وخبيراً بأنساب العرب وأخبارهم وأيامهم ووقائعهم، صنف في التاريخ كتاباً كبيراً سماه " الكامل " ابتدأ فيه من أول الزمان إلى آخر سنة ثمان وعشرين وستمائة وهو من خيار التواريخ، واختصر كتاب " الأنساب " لأبي سعد عبد الكريم بن السمعاني، واستدرك عليه فيه مواضع ونبه على أغلاط وزاد أشياء أهملها، وهو كتاب مفيد جداً، وأكثر ما يوجد اليوم بأيدي الناس هذا المختصر، وهو في ثلاث مجلدات، والأصل في ثمان وهو عزيز الوجود ولم أره سوى مرة واحدة بمدينة حلب، ولم يصل إلى الديار المصرية سوى المختصر المذكور. وله كتاب " أخبار الصحابة "، رضوان الله عليهم، في ست مجلدات كبار.

ولما وصلت إلى حلب في أواخر سنة ست وعشرين وستمائة كان عز الدين المذكور مقيماً بها في صورة الضيف عند الطواشي شهاب الدين طغريل الخادم أتابك الملك العزيز ابن الملك الظاهر صاحب حلب، وكان الطواشي كثير الإقبال عليه حسن الاعتقاد فيه مكرماً له، فاجتمعت به فوجدته رجلاً مكملاً في الفضائل وكرم الأخلاق وكثرة التواضع، فلازمت الترداد إليه، وكان بينه وبين الوالد، رحمه الله تعالى، مؤانسة أكيدة، فكان بسببها يبالغ في الرعاية والإكرام. ثم إنه سافر إلى دمشق في أثناء سنة سبع وعشرين، ثم عاد إلى حلب في أثناء سنة ثمان وعشرين، فجريت معه على عادة الترداد والملازمة. وأقام قليلاً ثم توجه إلى الموصل.

وكانت ولادته في رابع جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وخمسمائة بجزيرة ابني عمر، وهم من أهلها. وتوفي في شعبان سنة ثلاثين وستمائة، رحمه الله تعالى، بالموصل.

وسيأتي ذكر أخويه مجد الدين أبي السعادات المبارك، وضياء الدين أبي الفتح نصر الله، إن شاء الله تعالى.

والجزيرة المذكورة أكثر الناس يقولون: إنها جزيرة ابن عمر، ولا أدري من ابن عمر وقيل إنها منسوبة إلى يوسف بن عمر الثقفي أمير العراقين، ثم إني ظفرت بالصواب في ذلك، وهو أن رجلاً من أهل برقعيد من أعمال الموصل بناها وهو عبد العزيز بن عمر فأضيفت إليه. ورأيت في بعض التواريخ أنها جزيرة ابني عمر أوسٍ وكاملٍ، ولا أدري أيضاً من هما، ثم رأيت في تاريخ ابن المستوفي في ترجمة أبي السعادات المبارك بن محمد أخي أبي الحسن المذكور أنه من جزيرة أوس وكامل ابني عمر بن أوس التغلبي.