أبو الحسن علي بن أبي بكر بن علي الهروي الأصل الموصلي المولد، السائح المشهور نزيل حلب؛ طاف البلاد وأكثر من الزيارات، وكاد يطبق الأرض بالدوران، فإنه لم يترك براً ولا بحراً ولا سهلاً ولا جبلاً من الأماكن التي يمكن قصدها ورؤيتها إلا رآه، ولم يصل إلى موضع إلا كتب خطه في حائطه، ولقد شاهدت ذلك في البلاد التي رأيتها مع كثرتها، ولما سار ذكره بذلك واشتهر به ضرب به المثل فيه، ورأيت لبعض المعاصرين، وهو ابن شمس الخلافة جعفر - المقدم ذكره - بيتين في شخص يستجدي من الناس بأوراقه وقد ذكر فيهما هذه الحالة وهما:
أوراق كديته في بيت كل فـتـىً |
|
على اتفاق معانٍ واختـلاف روي |
قد طبق الأرض من سهلٍ إلى جبلٍ |
|
كأنه خط ذاك السائح الـهـروي |
وإنما ذكرت البيتين استشهاداً بهما على ما ذكرته من كثرة زياراته وكتب خطه. وكان مع هذا فيه فضيلة، وله معرفة بعلم السيمياء، وبه تقدم عند الملك الظاهر ابن السلطان صلاح الدين صاحب حلب، وأقام عنده، وكان كثير الرعاية له، وبنى له مدرسة بظاهر حلب وفي ناحية منها قبة هو مدفون بها، وبتلك المدرسة بيوت كتب على باب كل بيت ما يليق به، ورأيته كتب على باب الميضأة " بيت المال في بيت الماء "، ورأيت في قبته معلقاً عند رأسه غصناً وهو حلقة خلقية ليس فيه صنعة، وهو أعجوبة، وقيل إنه رآه في بعض سياحاته فاستصحبه وأوصى أن يكون عند رأسه ليعجب منه من يراه.
وله مصنفات: منها كتاب " الإشارات في معرفة الزيارات " وكتاب " الخطب الهروية " وغير ذلك. ورأيت في حائط الموضع الذي تلقى فيه الدروس من المدرسة المذكورة بيتين مكتوبين بخط حسن، وكأنهما كتابة رجل فاضل نزل هناك قاصداً الديار المصرية، فأحببت ذكرهما لحسنهما وهما:
رحم الله مـن دعـا لأنـاسٍ |
|
نزلوا هاهنا يريدون مصـرا |
نزلوا والخدود بيضٌ فلـمـا |
|
أزف البين عدن بالدمع حمرا |
وتوفي في شهر رمضان في العشر الوسط سنة إحدى عشرة وستمائة في مدرسته المذكورة ودفن في القبة، رحمه الله تعالى.
والهروي: بفتح الهاء والراء وبعدها واو، هذه النسبة إلى مدينة هراة، وهي أحد كراسي مملكة خراسان، فإنها مملكة عظيمة، وكراسيها أربعة: نيسابور ومرو وبلخ وهراة، والباقي مدن كبار، لكنها ما تنتهي إلى هذه الأربعة؛ وهراة بناها الإسكندر ذو القرنين عند مسيره إلى المشرق.