أبو الحسن علي بن عبد الله بن وصيف، المعروف بالناشئ الأصغر، الحلاّء الشاعر المشهور؛ وهو من الشعراء المحسنين، وله في أهل البيت قصائد كثيرة. وكان متكلماً بارعاً، أخذ علم الكلام عن أبي سهل إسماعيل بن علي بن نوبخت المتكلم، وكان من كبار الشيعة، وله تصانيف كثيرة، وكان جده وصيف مملوكاً وأبوه عبد الله عطاراً. والحلاء: بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام ألف، وإنما قيل له ذلك لأنه كان يعمل حلية من النحاس.
قال أبو بكر الخوارزمي: أنشدني أبو الحسن الناشئ بحلب لنفسه، وهو مليح جداً:
إذا أنا عاتبت الملـوك فـإنـمـا |
|
أخط بأقلامي على الماء أحرفـا |
وهبه ارعوى بعد العتاب، ألم تكن |
|
مودته طبعاً فصارت تكـلـفـا |
ومضى إلى الكوفة في سنة خمس وعشرين وثلثمائة، وأملى شعره بجامعها، وكان المتنبي وهو صبي يحضر مجلسه بها. وكتب من إملائه لنفسه من قصيدة:
كأن سنان ذابلـه ضـمـيرٌ |
|
فليس عن القلوب له ذهاب |
وصارمه كبيعـتـه بـخـمٍ |
|
مقاصدها من الخلق الرقاب |
فنظم المتنبي هذا وقال:
كأن الهام في الهيجا عـيونٌ |
|
وقد طبعت سيوفك من رقاد |
وقد صغت الأسنة من هموم |
|
فما يخطرن إلا في فـؤاد |
وكان قد قصد حضرة سيف الدولة بن حمدان بحلب، ولما عزم على مفارقته، وقد غمره بإحسانه، كتب إليه يودعه:
أودع لا أنـي أودع طـــائعـــا |
|
وأعطي بكرهي الدهر ما كنت مانعا |
وأرجع لا ألفي سوى الوجد صاحبـاً |
|
لنفسي إن ألفيت بنفسـي راجـعـا |
تحملت عنا بالـصـنـائع والـعـلا |
|
فنستودع الله العلا والـصـنـائعـا |
راعاك الذي يرعى بسـيفـك دينـه |
|
ولقاك روض العيش أخضر يانعـا |
ومن شعره أيضاً، عزاها إليه الثعالبي، ثم عزاها إلى أبي محمد ابن المنجم:
إذا لم تنل همم الأكرمـين |
|
وسعيهم وادعاً فاغتـرب |
فكم دعةٍ أتعبت أهلـهـا |
|
وكم راحة نتجت من تعب |
وله أيضاً:
إني ليهجرني الصديق تجـنـياً |
|
فأريه أن لهجـره أسـبـابـا |
وأخاف إن عاتبتـه أغـريتـه |
|
فأرى له ترك العتاب عتـابـا |
وإذا بليت بجاهلٍ مـتـغـافـلٍ |
|
يدعو المحال من الأمور صوابا |
أوليته مني السكـوت وربـمـا |
|
كان السكوت عن الجواب جوابا |
وفي أشعاره مقاصد جميلة.
وتوفي سنة ست وستين وثلثمائة، رحمه الله تعالى، وقيل أنه توفي يوم الاثنين لخمسة خلون من صفر من سنة خمس وستين ببغداد. ومولده في سنة إحدى وسبعين ومائتين.