البسامي الشاعر

أبو الحسن علي بن محمد بن منصور بن نصر بن بسام، الشاعر المعروف بالبسامي الشاعر المشهور؛ كانت أمه أمامة ابنة حمدون النديم، وروى عنه أبو بكر الصولي وأبو سهل بن زياد وغيرهما، وكان من أعيان الشعراء ومحاسن الظرفاء لسناً مطبوعاً في الهجاء، لم يسلم منه أمير ولا وزير ولا صغير ولا كبير، وهجا أباه وإخوته وسائر أهل بيته، فمن قوله في أبيه:

هبك عمرت عمر عشرين نسراً

 

اترى أنني أموت وتـبـقـى

فلئن عشت بعد مـوتـك يومـاً

 

لأشقن جيب مـالـك شـقـا

وله:

أقصرت عن طلب البطالة والصبا

 

لما علاني للـمـشـيب قـنـاع

للـه أيام الـشـبـاب ولـهــوه

 

لو أن أيام الـشـبـاب تـبــاع

فدع الصبا يا قلب واسل عن الهوى

 

ما فيك بعد مشيبك استـمـتـاع

وانظر إلى الدنيا بـعـين مـودع

 

فلقد دنـا سـفـرٌ وحـان وداع

والحادثات موكلاتٌ بـالـفـتـى

 

والناس بعد الحادثـات سـمـاع

 

وله في الوزير ابن المرزبان،وكان قد سأله برذوناً فمنعه إياه:

بخلت عني بمقرفٍ عطبٍ

 

فلن تراني ما عشت أطلبه

وإن تقل صنته فما خلـق

 

الله مصوناً وأنت تركبـه

 

وله في أسد بن جهور الكاتب:

تعس الزمان لقد أتى بعـجـاب

 

ومحا رسوم الظـرف والآداب

وأتى بكتابٍ لو انبسـطـت يدي

 

فيهم رددتهم إلـى الـكـتـاب

أو ما ترى أسد بن جهور قد غدا

 

متشبهاً بـأجـلة الـكـتـاب

 

وله أيضاً:

وكانت بالصراة لنـا لـيالٍ

 

سرقناهن من ريب الزمان

جعلناهن تاريخ اللـيالـي

 

وعنوان المسرة والأماني

 

وكان أبوه محمد بن نصر رجلاً مترفاً في نهاية السرو وحسن الزي، ظاهر المروءة، متخصصاً في هيئته ومطعمه وملبسه وتجمل داره. ويحكى أن الوزير القاسم بن عبيد الله المذكور قبله دخل على المعتضد يوماً وهو يلعب بالشطرنج وينشد قول ابن بسام هذا:

حياة هذا كـمـوت هـذا

 

فلست تخلو من المصائب

وقد تقدم ذكر الأبيات الثلاثة، ثم رفع المعتضد رأسه، فنظر إلى الوزير فاستحيا منه، فقال له يا قاسم، اقطع لسان ابن بسام عنك، فخرج مبادراً لقطع لسانه فبلغ ذلك المعتضد فاستدعاه وقال له:لا تعرض إليه بسوء، بل اقطعه بالبر والشغل، فولاه البريد والجسر بجند قنسرين والعواصم من أرض الشام.


وتوفي ابن بسام المذكور في صفر سنة اثنتين، وقيل ثلاث وثلثمائة، رحمه الله تعالى، عن نيف وسبعين سنة.
وجده نصر بن منصور ممدوح أبي تمام.


والعواصم: كورة متسعة بالشام قصبتها أنطاكية، وذكرها المعري بقوله:

متى سألت بغداد عني وأهلها

 

فإني عن أهل العواصم سآل

 

وإنما قال هذا لأن بلاده معرة النعمان من جملة العواصم.


وذكر الطبري في تاريخه أن هارون الرشيد عزل الثغور كلها عن بلاد الجزيرة وقنسرين وجعلها حيزاً واحداً، وسميت العواصم، وذلك في سنة سبعين ومائة.


ولما هدم المتوكل على الله قبر الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنهما، في سنة ست وثلاثين ومائتين عمل البسامي:

تالله إن كانت أمـية قـد أتـت

 

قتل ابن بنت نبيها مظلـومـا

فلقد أتاه بنو أبـيه بـمـثـلـه

 

هذا لعمرك قبره مـهـدومـا

أسفوا على أن لا يكونوا شاركوا

 

في قتله فتتبـعـوه رمـيمـا

وكان المتوكل كثير التحامل على علي وولديه الحسن والحسين، رضي الله عنهم أجمعين، فهدم هذا المكان بأصوله ودوره وجميع ما يتعلق به وأمر أن يبذر ويسقى موضع قبره ومنع الناس من إتيانه، هكذا قال أرباب التواريخ، والله أعلم.

ولابن بسام المذكور في التصانيف " أخبار عمر بن أبى ربيعة " ولم يستقص أحد في بابه أبلغ منه، وكتاب " أخبار الأحوص " وكتاب " مناقضات الشعراء " وكتاب " ديوان رسائله " وغير ذلك.