ابن مسهر الموصلي

أبو الحسن علي بن أبي الوفاء سعد بن أبي الحسن علي بن عبد الواحد بن عبد القاهر بن أحمد بن مسهر الموصلي، الملقب مهذب الدين؛ كان شاعراً بارعاً رئيساً مقدماً، تنقل في أكثر ولايات الموصل ومدح الخلفاء والأمراء؛ رأيت ديوان شعره في مجلدين، وذكر في ديوانه أنه ولد بمدينة آمد، ومن محاسن شعره قوله في صفة فهد:
 

وكل أهرت بادي السخط مطرح ال

 

حياء جهم المحيا سيء الـخـلـق

والشمس مذ لقبوها بالـغـزالة أع

 

طته الرشا حسداً من لونها اليقـق

ونقطته حباءً كـي يسـالـمـهـا

 

على المنايا نعاج الرمل بالـحـدق

هذا ولم يبرزا مع سلـم جـانـبـه

 

يوماً لناظـره إلا عـلـى فـرق

 

ومن هذه القصيدة في صفة الخيل:

سودٌ حوافرها بيضٌ جحافـلـهـا

 

صبغ تولد بين الصبح والغـسـق

من طول ما وطئت ظهر الدجا خبباً

 

وطول ما كرعت من منهل الفلق

 

وهي قصيدة بديعة، وأولها:

هي الموارد بين السحـر والـحـدق

 

فرد دنان الـمـنـايا مـورد الأنـق

وأطيب العيش ما تجنيه مـن تـعـب

 

وأعذب الشرب ما يصفو من الرنـق

يا دار درك إخلاف الغمـام عـلـى

 

مر النسيم بجاري الغيث منـبـثـق

وإن عدتك عوادي المزن فانتجـعـي

 

بأروض الأرض من أجفان ذي حرق

         

وهذه الأبيات مع أنها جيدة مأخوذة من أبيات الأمير أبي عبد الله محمد بن أحمد السراج الصوري، وكان معاصره، وهي من جملة قصيدة:

شثن البراثن في فيه وفـي يده

 

ما في الصوارم والعسالة الذبل

تنافس الليل فيه والنهار مـعـاً

 

فقمصاه بجلباب من المـقـل

والشمس منذ دعوها بالغزالة لم

 

تبرز لناظره إلا علـى وجـل

 

ومن شعر ابن مسهر أيضاً بيتان كتبهما إلى بعض الرؤساء:

ولما اشتكيت اشتـكـى كـل مـا

 

على الأرض واعتل شرقٌ وغرب

لأنك قلـبٌ لـجـسـم الـزمـان

 

وما صح جسمٌ إذا اعتـل قـلـب

وذكره العماد الكاتب في " الخريدة "، وبالغ في الثناء عليه، ثم قال: أنشدني العلم الشاتاني له هذه القصيدة:

حسرت عن يومنا النوب

 

واكتسى نواره العشب

واستقامت في مجرتهـا

 

بالأماني السبعة الشهب

يا خليلي أين مصطبـحٌ

 

فيه للذات مصطحـب

وثغور الزهر ضاحكة

 

ودموع القطر تنسكب

ولنا في كـل جـارحة

 

من غنا أطياره طرب

اسقنيها بـنـت دسـكـرة

 

وهي أم حين تنـتـسـب

خندريسونٌ دون مـدتـهـا

 

جاءت الأزمان والحقـب

طاف يجلوها لـنـا رشـأ

 

قصرت عن لحظه القضب

أوقدتهـا نـار وجـنـتـه

 

فهي في كفيه تلـتـهـب

ولها من ذاتـهـا طـربٌ

 

فلهذا يرقص الـحـبـب

 

ثم قال بعد ذلك: وكان قد حكى لي كمال الدين بن السهروردي قال: كان ابن مسهر إذا أعجبه معنى لشاعر أو بيت عمل عليه قصيدة وادعاه لنفسه، واجتمع هو والأبيوردي مرة، وهو لا يعرف ابن مسهر، فجرى حديث ابن مسهر وأنه سرق بيت الأبيوردي، فقال ابن مسهر: بل الأبيوردي سرق شعري.


وقال في " الخريدة " أيضاً في حقه في أول ترجمته: عاش إلى زماننا هذا، ورأيته شيخاً أناف على التسعين لما كنت بالموصل سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة، ثم وصفه على جاري عادته، ثم قال: وابن مسهر مسهر المعاصرين حسداً، ومميت القاصرين عن شأوه كمداً، ثم قال في أثناء الترجمة: ومن غريب الاتفاق ما حكاه السمعاني عن أبي الفتح عبد الرحمن بن أبي الغنائم محمد بن أحمد بن علي بن عبد الغفار المعروف بابن الأخوة البيع الأديب الكاتب، أنه رأى في منامه منشداً ينشد:

 

وأعجب من صبري القلوص التي سرت

 

بهودجك المزموم أنـى اسـتـقـلـت

وأطبق أحناء الضلوع عـلـى جـوىً

 

جميعٍ وصبرٍ مستـحـيلٍ مـشـتـت

 

قال أبو الفتح المذكور: فلما انتبهت جعلت دأبي السؤال عن قائل هذين البيتين مدة، فلم أجد مخبراً عنهما، ومضى على ذلك عدة سنين، ثم اتفق نزول أبي الحسن علي بن مسهر المذكور في ضيافتي، فتجاذبنا في بعض الليالي ذكر المنامات، فذكرت له حال المنام الذي رأيته، وأنشدته البيتين المذكورين، فقال:أقسم بالله أنهما من شعري من جملة قصيدة، وأنشدني منها:

إذا ما لسان الدمع نم عـلـى الـهـوى

 

فليس بسرٍ ما الـضـلـوع أجـنـت

فوالـلـه مـا أدري عـشـية ودعـت

 

أناحت حمامات اللـوى أم تـغـنـت

وأعجب من صبري القلوص التي سرت

 

بهودجك المزموم أنـى اسـتـقـلـت

أعاتب فيك اليعملات عـلـى الـنـوى

 

وأسأل عنك الريح من حـيث هـبـت

وأطبق أحناء الضلوع عـلـى جـوىً

 

جميعٍ وصبرٍ مستـحـيلٍ مـشـتـت

 

قال: فعجبنا من هذا الاتفاق، ثم تذاكرنا بقية ليلتنا بأنواع الأدب.

ومن شعره أيضاً، وهو ما أورده له في " الخريدة " من قصيدة:

الوجد ما قد هيج الطـلـلان

 

مني، وأذكرني حمام البـان

أنا والحمائم حيث تندب شجوها

 

فوق الأراكة سحـرةً سـيان

فأنا المعنى بالقدود أمـالـهـا

 

شرخ الشباب وهن بالأغصان

ومنها:

فافخر فإنك من سلالة معشر

 

عقدوا عمائمهم على التيجان

كل الأنام بنو أبٍ لـكـنـمـا

 

بالفضل تعرف قيمة الإنسان.

وتوفي في أواخر صفر سنة ثلاث وأربعين وخمسائة رحمه الله تعالى. وقال العماد الكاتب في " الخريدة " سنة ست وأربعين.

ومسهر: بضم الميم وسكون السين المهملة وكسر الهاء بعدها وبعدها راء، وهو اسم علم.