أبو الحسن علي بن الحسن بن علي بن أبي الطيب الباخرزي الشاعر المشهور؛ كان أوحد عصره في فضله وذهنه، والسابق إلى حيازة القصب في نظمه ونثره. كان في شبابه مشتغلاً بالفقه على مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، واختص بملازمة درس الشيخ أبي محمد الجويني والد إمام الحرمين، ثم شرع في فن الكتابة، واختلف إلى ديوان الرسائل، وارتفعت به الأحوال وانخفضت، ورأى من الدهر العجائب سفراً وحضراً، وغلب أدبه على فقهه، فاشتهر بالأدب وعمل الشعر، وسمع الحديث، وصنف كتاب " دمية القصر وعصرة أهل العصر " وهو ذيل " يتيمة الدهر " التي للثعالبي، وجمع فيها خلقاً كثيراً.
وقد وضع على هذا الكتاب أبو الحسن علي بن زيد البيهقي كتاباً سماه " وشاح الدمية " وهو كالذيل له، هكذا سماه السمعاني في " المذيل "، وقال العماد في "الخريدة ": هو شرف الدين أبو الحسن علي بن الحسن البيهقي، والله أعلم، وذكر أشياء من شعره، فمن ذلك:
يا خالق الخلق حملت الـورى |
|
لما طغى الماء علـى جـاريه |
وعبـدك الآن طـغـى مـاؤه |
|
في الصلب فاحمله على جاريه |
رجعنا إلى الباخرزي وديوان شعره مجلد كبير والغالب عليه الجودة، فمن معانيه الغريبة قوله:
وإني لأشكو لسع أصداغك التي |
|
عقاربها التي في وجنتيك تحوم |
وأبكي لدر الثغر منك ولي أبٌ |
|
فكيف يديم الضحك وهو يتـيم |
ومن قوله في شدة البرد:
كم مؤمن قرصته أظفار الشـتـا |
|
فغدا لسكان الجـحـيم حـسـودا |
وترى طيور الماء في وكناتـهـا |
|
تختار حر الـنـار والـسـفـودا |
وإذا رميت بفضل كسأك في الهوى |
|
عادت عليك من العقيق عـقـودا |
يا صاحب العوديين لا تهملهـمـا |
|
حرق لنا عـوداً وحـرك عـودا |
وقوله من جملة أبيات:
يا فالق الصبح مـن لألاء غـرتـه |
|
وجاعل الليل من أصداغه سكـنـا |
بصورة الوثن استعبدنـي، وبـهـا |
|
فتنتني، وقديماً هجت لي شجـنـا |
لا غرو أن أحرقت نار الهوى كبدي |
|
فالنار حق على من يعبد الوثـنـا |
ومن المنسوب إليه،والله أعلم:
وإذا بكيت دماً تقول شمت بـي |
|
يوم النوى فصبغت دمعك أحمرا |
من شاء أمنحه الغرام فـدونـه |
|
هذي خلائقها بتحيير الـشـرى |
هكذا أنشدنيهما بعض المتأدبين والعهدة عليه في ذلك.
وقتل الباخرزي في مجلس الأنس بباخرز في ذي القعدة سنة سبع وستين وأربعمائة، وذهب دمه هدراً، رحمه الله تعالى.
وباخرز: بفتح الباء الموحدة وبعد الألف خاء موحدة مفتوحة ثم راء ساكنة وبعدها زاي، وهي ناحية من نواحي نيسابور تشتمل على قرى ومزارع، خرج منها جماعة من الفضلاء وغيرهم.