ابن الآمدي قاضي واسط

أبو الفضائل علي بن أبي المظفر يوسف بن أحمد بن محمد بن عبيد الله بن الحسين بن أحمد بن جعفر، الآمدي الأصل الواسطي المولد والدار؛ هو من بيت معروف بواسط بالصلاح والروايه والعدالة، قدم بغداد وأقام بها مدة متفقهاً على مذهب الإمام الشافعي، رضي الله عنه، على الشيخ أبي طالب المبارك بن المبارك صاحب ابن الخل، ثم من بعده على أبي القاسم يعيش بن صدقة الفراتي، وأعاد له درسه بالمدرسة الثقتية بباب الأزج، وكان حسن الكلام في المناظرة، وسمع الحديث من جماعة كبيرة ببلده وببغداد، وتولى القضاء بواسط في أواخر صفر سنة أربع وستمائة، وصار إليها في شهر ربيع الأول من السنة المذكورة، وأضيف إليه أيضاً الاشراف بالأعمال الواسطية، وكان له معرفة بالحساب، وله أشعار رائقة، فمن ذلك الأبيات السائرة وهي:

واهاً له ذكر الحمى فـتـأوهـا

 

ودعا به داعي الصبا فتـولـهـا

هاجت بلابله البلابل فانـثـنـت

 

أشجانه تثني عن الحلمي النهـى

فشكا جوى وبكى أسى وتنبـه ال

 

وجد القديم ولم يزل متـنـبـهـا

قالوا وهى جلداً ولو علق الهـوى

 

بيلملـم يومـا تـأوه أو وهـى

لا تكرهوه على السلو فطـائعـاً

 

حمل الغرام فكيف يسلو مكرهـا

ياعتب لا عتب عليك فسامـحـي

 

وصلي فقد بلغ السقام المنتهـى

علمت بان الجزع ميل غصونـه

 

لما خطرت عليه في حلل البهـا

ومنحت غنج اللحظ غزلان النقـا

 

فلذاك أحسن ما يرى عين المهـا

لولا دلالك لم أبت متـقـسـم ال

 

عزمات مسلوب الرقاد متـيهـا

لي أربع شهداء في صدق الـولا

 

دمع وحزن مفـرطٌ وتـدلـهـا

وبلابل تعـتـادنـي لـو أنـهـا

 

في يذبل يوماً لأصبح كالسـهـا

لام العواذل في هواك وما أرعوى

 

ونهاه عنك اللائمون ومن انتهـى

قالوا اشتهاك وقد رآك مـلـيحة

 

عجباً وأي مليحة لا تشـتـهـى

أنا أعشق العشاق فـيك ولا أرى

 

مثلي ولا لك في الملاحة مشبها

وله غيرها أشعار رقيقة.

قلت: هكذا وجدت هذه الأبيات منسوبة إليه ولا أتحقق صحتها، والله أعلم، ثم وجدت بخطي في مسودتي أن توفي ابن الآمدي الشاعر سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وكان في طبقة الغزي والأرجاني، ولم أقف على اسمه ونسبه حتى أعلم من هو، لكنه قال: وكان من أهل النيل، يعني البليدة التي في العراق، وكان قد زاد على تسعين سنة، فيحتمل أن تكون له هذه الأبيات المذكورة في هذه الترجمة، ويحتمل أن تكون لهذا الثاني المجهول الاسم والنسب، والله أعلم، لكن يترجح الأول لأنه كان قاضي واسط فهو الفقيه، وهذا الشاعر.

وكانت ولادته بواسط في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة تسع وخمسين وخمسمائة. وتوفي ليلة الاثنين ثالث شهر ربيع الأول سنة ثمان وستمائة بواسط، وصلي عليه يوم الاثنين، ودفن عند أبيه وأهله بظاهر البلد، رحمه الله تعالى، وقد تقدم الكلام على الآمدي، وأن نسبته إلى آمد.