العادل ابن السلار

أبو الحسن علي بن السلار، المنعوت بالملك العادل سيف الدين، ورأيت في مكان أخر أنه أبو منصور علي بن إسحاق، عرف بابن السلار، وزير الظافر العبيدي صاحب مصر؛ رأيت في بعض تواريخ المصريين: أنه كان كردياً زرزارياً، وكان تربية القصر بالقاهرة وتقلبت فيه الأحوال في الولايات بالصعيد وغيره إلا أن تولى الوزارة للظافر المذكور في رجب سنة ثلاث وأربعين وخمسمائة. ثم وجدت في مكان أخر أن الظافر المذكور استوزر نجم الدين أبا الفتح سليم بن محمد مصال في أول ولايته. وكان ابن مصال من أكابر أمراء الدولة ثم تغلب عليه العادل بن سلام وعدى ابن مصال إلى الجيزة ليلة الثلاثاء رابع عشر شعبان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، عندما سمع بوصول ابن السلار من ولاية الإسكندرية طالباً للوزارة ودخل ابن السلار القاهرة في الخامس عاشر من الشهر المذكور وتولى تدبير الأمور ونعت بالعادل أمير الجيوش، وحشد ابن مصال جماعة من المغاربة وغيرهم، وجرد العادل العساكر للقائه، فكسره بدلاص من الوجه القبلي، وأخذ رأسه ودخل به إلى القاهرة على رمح يوم الخميس الثالث والعشرين من ذي القعدة من السنة المذكورة واستمر العادل إلى أن قتل، وهذا القول أصح من الأول، والله أعلم.

وكان ابن مصال من أهل لك -بضم اللام وتشديد الكاف - وهي بليدة عند برقة من أعمالها، وكان هو وأبوه يتعاطيان البيزرة والبيطرة، وبذلك تقدما، وكانت وزارة ابن مصال نحواً من خمسين يوماً.

وكان ابن السلار شهماً مقداماً مائلاً إلى أرباب الفضل والصلاح، عمر بالقاهرة مساجد، ورأيت بظاهر مدينة بلبيس مسجداً منسوباً إليه، وكان ظاهر التسنن شافعي المذهب، ولما وصل الحافظ أبو طاهر السلفي، رحمه لله تعالى، إلى ثغر الإسكندرية المحروس وأقام به - كما ذكرته في ترجمته - ثم صار العادل المذكور والياً به احتفل به وزاد في إكرامه وعمر له هناك مدرسة فوض تدريسها إليه، وهي معروفة به إلى الآن، ولم أر بالإسكندرية مدرسة للشافعية سواها.

وكان مع هذه الأوصاف ذا سيرة جائرة وسطوة قاطعة يؤاخذ الناس بالصغائر والمحقرات. ومما يحكى عنه أنه قبل وزراته بزمان، وهو يومئذ من آحاد الأجناد، دخل يوما على الموفق أبي الكرم ابن معصوم التنيسي، وكان يتولى الديوان، فشكا إليه حاله من غرامة لزمته بسبب تفريطه في شيء من لوازم الولاية بالغربية، فلما أطال عليه الكلام قال له أبو الكرم: والله إن كلامك ما يدخل في إذني، فحقد عليه ذلك. فلما ترقى إلى درجة الوزارة طلبه، فخاف منه واستتر مدة، فنادى عليه في البلد، وأهدر دم من يخفيه، فأخرجه الذي خبأه عنده، فخرج في زي امرأة بإزار وخف، فعرف فأخذ وحمل إلى العادل، فأمر بإحضار لوح خشب ومسمار طويل وأمر به فألقي على جنبه وطرح اللوح تحت أذنه، ثم ضرب المسمار في الأذن الأخرى وصار كلما صرخ يقول له: دخل كلامي في أذنك بعد أم لا؟ ولم يزل كذلك حتى نفذ المسمار من الأذن التي على اللوح، ثم عطف المسمار على اللوح ويقال: إنه شنقه بعد ذلك.

وكان قد وصل من إفريقية إلى الديار المصرية أبو الفضل عباس بن أبي الفتوح ابن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس الصنهاجي وهو صبي ومعه أمه واسمها بلارة فتزوجها العادل المذكور وأقامت عنده زماناً، ورزق عباس ولداً سماه نصراً فكان عند جدته في دار العادل والعادل يحنو عليه ويعزه، ثم إن العادل جهز عباساً إلى جهة الشام بسبب الجهاد، وكان معه أسامة بن منقذ - المذكور في حرف الهمزة - فلما وصل إلى بلبيس وهو مقدم الجيش الذي صار في صحبته تذاكرا طيب طيب الديار المصرية وحسنها وما هي عليها، وكونه يفارقها ويتوجه للقاء العدو ويقاسي البيكار، فأشار عليه أسامة على ما قيل بقتل العادل، ويستقل هو بالوزارة ويستريح من البيكار، وتقرر بينهما أن ولده نصراً يباشر ذلك إذا رقد العادل، فإنه ومعه في الدار ولا ينكر عليه ذلك. وحاصل الأمر أن نصراً قتله على فراشه يوم الخميس سادس المحرم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، بدار الوزارة بالقاهرة المحروسة، رحمه الله تعالى، وتفصيل الواقعة يطول. وقيل إنه قتل يوم السبت حادي عشر المحرم من السنة المذكورة.

وكان والده في صحبة سقمان بن أرتق صاحب القدس، فلما أخذ الأفضل أمير الجيوش القدس من سقمان - كما هو مذكور في ترجمة أبيه أرتق - وجد فيه طائفة من عسكر سقمان، فضمهم الأفضل إليه؛ وكان في جملتهم السلار والد العادل المذكور، فأخذه الأفضل إليه، وتقدم عنده، وسماه " ضيف الدولة " وأكرم ولده هذا، وجعل في صبيان الحجر، ومعنى صبيان الحجر عندهم: أن يكون لكل واحد منهم فرس وعدة، فإذا قيل له عن شغلٍ، ما يحتاج أن يتوقف فيه، وذلك على مثال الداوية والاسبتار، فإذا تميز صبي من هؤلاء بعقل وشجاعة قدم للإمرة، فترجح العادل بهذه الصفات وزاد عليها بالحزم والهيبة وترك المخالطة، فأمره الحافظ، وولاه الإسكندرية، وكان يعرف برأس البغل، ثم تقدم.

وهذا نصر بن عباس هو الذي قتل الظافر إسماعيل بن الحافظ، صاحب مصر، وقد ذكرته في ترجمته في أوائل هذا الكتاب.