علي بن منقذ

أبو الحسن علي بن مقلد، بن نصر بن منقذ الكناني، الملقب سديد الملك، صاحب قلعة شيزر؛ كان شجاعاً مقدماً قوي النفس كريماً، وهو أول من ملك قلعة شيزر من بني منقذ، لأنه كان نازلاً مجاور القلعة بقرب الجسر المعروف اليوم بجسر بني المنقذ، وكانت القلعة بيد الروم فحدثته نفسه بأخذها، فنازلها وتسلمها بالأمان في رجب سنة أربع وسبعين وأربعمائة، ولم تزل في يده ويد أولاده إلى أن جاءت الزلزلة في سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة فهدمتها وقتلت كل من فيها من بني منقذ وغيرهم تحت الهدم، وشغرت، فجاءها نور الدين محمود بن زنكي صاحب الشام في بقية السنة وأخذها.

وذكر بهاء الدين بن شداد في كتاب " سيرة صلاح الدين " أنه جاءت زلزلة بحلب، وأخربت كثيراً من البلاد، وذلك في الثاني عشر من شوال سنة خمس وستين وخمسمائة، وهذه غير تلك، فلا يظن الواقف عليه أن هذا غلط، بل هما زلزلتان، والأول ذكره ابن الجوزي في " شذور العقود " وغيره أيضاً.

وكان سديد الملك المذكور مقصوداً، وخرج من بيته جماعة نجباء أمراء فضلاء كرماء، ومدحه جماعة من الشعراء كابن الخياط والخفاجي وغيرهما وكان له شعر جيد أيضاً، فمنه قوله وقد غضب على مملوك له وضربه:

أسطو عليه وقلبي لو تمكن من

 

كفي غلهما غيظاً إلى عنقـي

وأستعير إذا عاقبتـه حـنـقـاً

 

وأين ذل الهوى من عزة الحنق

وكان موصوفاً بقوة الفطنة، وتنقل عنه حكاية عجيبة، وهي أنه كان يتردد إلى حلب قبل تملكه شيرز، وصاحب حلب يومئذ تاج الملوك محمود بن صالح بن مرداس، فجرى أمر خاف سديد الملك المذكور على نفسه منه، فخرج من حلب إلى طرابلس الشام وصاحبها يومئذ جلال الملك بن عمار، فأقام عنده، فتقدم محمود بت صالح إلى كاتبه أي نصر محمد بن الحسين علي بن النماس الحلبي أن يكتب إلى سديد الملك كتاباً يتشوقه ويستعطفه ويستدعيه إليه، ففهم الكاتب أنه يقصد له شراً، وكان صديقاً لسديد الملك، فكتب الكتاب كما أمر إلى أن بلغ إلى " إن شاء الله تعالى " فشدد النون وفتحها، فلما وصل الكتاب إلى سديد الملك عرضه على ابن عمار صاحب طرابلس ومن بمجلسه من خواصه، فاستحسنوا عبارة الكتاب واستعظموا ما فيه من رغبة محمود فيه وإيثاره لقربه، فقال سديد الملك إني أرى في الكتاب ما لا ترون، ثم أجابه عن الكتاب بما اقتضاه الحال، وكتب في جملة الكتاب " أنا الخادم المقر بالأنعام " وكسر الهمزة من أنا وشدد النون، فلما وصل الكتاب إلى محمود ووقف عليه الكاتب سر بما فيه وقال لأصدقائه: قد علمت أن الذي كتبته لا يخفى على سديد الملك، وقد أجاب بما طيب نفسي؛ وكان الكاتب قد قصد قول الله تعالى: (إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك). فأجاب سديد الملك بقوله تعالى: (إنا لن ندخلها أبداً ما داموا فيها)، فكانت هذه معدودة من تيقظه وفهمه؛ وهكذا ساق هذه الحكاية أسامة في مجموعه إلى الرشيد بن الزبير في ترجمة ابن النحاس.

وكانت وفاته في سنة خمس وسبعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى.

وقد تقدم ذكر حفيده أسامة بن مرشد بن علي المذكور في حرف الهمزة وسيأتي ذكر والده في حرف الميم إن شاء الله تعالى.

وذكرهم العماد الأصبهاني في الخريدة، وبالغ في الثناء عليهم وذكر أيضاً في كتاب السيل والذيل أنه توفي تحت الهدم لما هدمت الزلزلة حصن شيزر يوم الاثنين ثالث رجب سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة، والله أعلم.