ابن يونس المنجم

صاحب الزيج الحاكمي أبو الحسن علي بن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن يونس بن عبد الأعلى الصدفي المنجم المصري المشهور، صاحب الزيج الحاكمي المعروف بزيج ابن يونس، وهو زيج كبير رأيته في أربع مجلدات، بسط القول والعمل فيه وما أقصر في تحريره، ولم أر في الأزياج على كثرتها أطول منه، وذكر أن الذي أمره بعمله وابتدأه له العزيز أبو الحاكم صاحب مصر - وسيأتي ذكره في حرف النون إن شاء الله تعالى.

كان مختصاً بعلم النجوم متصرفاً في سائر العلوم بارعاً في الشعر، وعلى إصلاحه لزيج يحيى بن منصور تعويل أهل مصر في تقويم الكواكب، وعدله القاضي أبو عبد الله محمد بن النعمان في جمادى الأولى سنة ثمانين وثلثمائة، وخلف ولداً متخلفاً باع كتبه وجميع تصنيفاته بالأرطال في الصابونيين، وكان قد أفنى عمره في الرصد والتسيير للمواليد وعمل فيها ما لا نظير له، وكان يقف للكواكب، قال الأمير المختار المعروف بالمسبحي: أخبرني أبو الحسن المنجم الطبراني أنه طلع معه إلى جبل المقطم وقد وقف للزهرة، فنزع ثوبه وعمامته ولبس ثوباً نساوياً أحمر ومقنعة حمراء تقنع بها، وأخرج عوداً فضرب به، والبخور بين يديه، فكان عجباً من العجب.

قال الأمير المختار في تاريخ مصر: كان ابن يونس المذكور أبله مغفلاً، يعتم على طرطور طويل ويجعل رداءه فوق العمامة، وكان طويلاً، وإذا ركب ضحك منه الناس لشهرته وسوء حاله ورثاثة لباسه، وكان له مع هذه الهيئة إصابة بديعة غريبة في النجامة لا يشاركه فيها غيره، وكان أحد الشهود، وكان متفنناً في علوم كثيرة، وكان يضرب بالعود على جهة التأدب، وله شعر حسن فمنه قوله:

 

أحمل نشر الريح عند هـبـوبـه

 

رسالة مشتاق لوجـه حـبـيبـه

بنفسي من تحيا النفوس بقـربـه

 

ومن طابت الدنيا به وبـطـيبـه

لعمري لقد عطلت كأسي بـعـده

 

وغيبتها عني لطـول مـغـيبـه

وجدد وجدي طائف منه في الكرى

 

سرى موهناً في خفية من رقيبه

وله شعر كثير.

وقد تقدم ذكر والده في حرف العين وهو صاحب التاريخ - وسيأتي ذكر جده في حرف الياء إن شاء الله تعالى.

ويحكى أن الحاكم العبيدي صاحب مصر قال وقد جرى في مجلسه ذكر ابن يونس وتغفله: دخل إلى عندي يوماً ومداسه بيده، فقبل الأرض وجلس وترك المداس إلى جانبه، وأنا أراه وأراها، وهو بالقرب مني، فلما أراد أن ينصرف قبل الأرض وقدم المداس ولبسه وانصرف. وإنما ذكر هذا في معرض غفلته وقلة اكتراثه.

وقال المسبحي: كانت وفاته بكرة يوم الاثنين لثلاث خلون من شوال سنة تسع وتسعين وثلثمائة فجأة، رحمه الله تعالى، وصلى عليه في الجامع بمصر القاضي مالك بن سعيد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن ثواب، ودفن بداره بالفرائين.