الحافظ ابن دحية

أبو الخطاب عمر بن الحسن بن علي بن محمد الجميل بن فرح بن خلف بن قومس بن مزلال بن ملال بن بدر بن أحمد بن دحية بن خليفة بن فروة الكلبي، المعروف بذي النسبين، الأندلسي البلنسي الحافظ؛ نقلت نسبه على هذه الصورة من خطه، وكان قد قيده وضبطه كما هو هاهنا.

الجميل: بضم الجيم وفتح الميم وتشديد الياء المثناة من تحتها وبعدها لام وهو تصغير جميل.
وفرح: بفتح الفاء وسكون الراء وبعدها حاء مهملة.

وقومس: بضم القاف وفتحها وسكون الواو وكسر الميم وبعدها سين مهملة.

ومزلال: بفتح الميم وسكون الزاي وبعد اللام ألف لام.

وملال: بفتح الميم وتشديد اللام ألف وبعدها لام.

ودحية: بكسر الدال المهملة وفتحها وسكون الحاء المهملة وبعدها ياء مثناة من تحتها، وهو دحية الكلبي صاحب رسول الله، صلى الله عليه وسلم. والباقي معروف لا حاجة إلى ضبطه.

كان يذكر أن أمه أمة الرحمن بنت أبي عبد الله ابن أبي البسام موسى بن عبد الله بن الحسين بن جعفر بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، فلهذا كان يكتب بخطه " ذو النسبين دحية والحسين، رضي الله عنهما " وكان يكتب أيضاً " سبط أبي البسام " إشارة إلى ذلك.

كان أبو الخطاب المذكور من أعيان العلماء ومشاهير الفضلاء، متقناً لعلم الحديث النبوي وما يتعلق به، عارفاً بالنحو واللغة وأيام العرب وأشعارها، واشتغل بطلب الحديث في أكثر بلاد الأندلس الإسلامية، ولقي بها علماءها ومشايخها، ثم رحل منها إلى بر العدوة ودخل مراكش واجتمع بفضلائها، ثم ارتحل إلى إفريقية ومنها إلى الديار المصرية ثم إلى الشام والشرق والعراق؛ وسمع ببغداد من بعض أصحاب ابن الحصين، وسمع بواسط من أبي الفتح محمد بن أحمد بن الميداني ودخل إلى عراق العجم وخراسان وما والاها ومازندران، كل ذلك في طلب الحديث والاجتماع بأئمته والأخذ عنهم، وهو في تلك الحال يؤخذ عنه، ويستفاد منه وسمع بأصبهان من أبي جعفر الصيدلاني، وبنيسابور من منصور بن عبد المنعم الفراوي وقدم مدينة إربل في سنة أربع وستمائة، وهو متوجه إلى خراسان، فرأى صاحبها الملك المعظم مظفر الدين بن زيد الدين، رحمه الله تعالى، مولعاً بعمل مولد النبي، صلى الله عليه وسلم، عظيم الاحتفال به - كما هو مذكور في ترجمته في حرف الكاف من هذا الكتاب - فعمل له كتاباً سماه " كتاب التنوير في مولد السراج المنير " وقرأه عليه بنفسه، وسمعناه على الملك المعظم في ست مجالس في جمادى الآخرة سنة خمس وعشرين وستمائة، وكان الحافظ أبو الخطاب المذكور قد ختم هذا الكتاب بقصيدة طويلة أولها:

لولا الوشاة وهـم            أعداؤنا ما وهموا

وقد ذكرت فيما تقدم في ترجمة الأسعد بن مماتي في حرف الهمزة حديث هذه القصيدة فليتأمل هناك؛ ولما عمل هذا الكتاب دفع له الملك المعظم المذكور ألف دينار، وله عدة تصانيف.

وكانت ولادته في مستهل ذي القعدة سنة أربع وأربعين وخمسمائة. وتوفي في يوم الثلاثاء الرابع عشر من ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وستمائة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، رحمه الله تعالى، أخبرني بذلك ولده؛ وأخبرني بعض أصحابنا الموثوق بقولهم أنه سأل ولده المذكور عن مولد أبيه، فقال في ذي القعدة من سنة ثمان وأربعين، وأخبرني ابن أخيه قال: سمعت عمي أبا الخطاب غير مرة يقول: ولدت في مستهل ذي القعدة سنة ست وأربعين وخمسمائة، والله أعلم.

والبلنسي: بفتح الباء الموحدة اللام وسكون النون وبعها سين مهملة، هذه النسبة إلى بلنسية، وهي مدينة في شرق الأندلس.

وكان أخوه أبو عمرو عثمان بن الحسن أسن من أخيه أبي الخطاب، وكان حافظاً للغة العرب قيماً بها. وعزل الملك الكامل أبا الخطاب المذكور عن دار الحديث التي كان أنشأها بالقاهرة، ورتب مكانه أخاه أبا عمرو المذكور، ولم يزل بها إلى أن توفي يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الأولى سنة أربع وثلاثين وستمائة بالقاهرة، ودفن بسفح المقطم، وله رسائل استعمل فيها حوشي اللغة.