أبو عمرو بن العلاء

أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان بن عبد الله بن الحصين التميمي المازني البصري. ورأيت بخطي في مسوداتي: هو أبو عمرو بن العلاء بن عمار ابن عبد الله بن الحصين بن الحارث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، ويقال: جلهم بن حجر بن خزاعي، واسمه العريان؛ أحد القراء السبعة، كان أعلم الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر، وهو في النحو في الطبقة الرابعة من علي بن أبي طالب، رضي الله عنه. قال الأصمعي: قال أبو عمرو بن العلاء: لقد علمت من النحو ما لم يعلمه الأعمش وما لو كتب لما استطاع أن يحمله. وقال أيضاً: سألت أبا عمرو عن ألف مسألة، فأجابني فيها بألف حجة.

وكان أبو عمرو رأساً في حياة الحسن البصري مقدما في عصره. وقال أبو عبيدة: كان أبو عمرو أعلم الناس بالأدب والعربية والقرآن والشعر.
وكانت كتبه التي كتب عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب من السقف، ثم إنه تقرأ- أي تنسك - فأخرجها كلها، فلما رجع إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه بقلبه، وكانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية. قال الأصمعي: جلست إلى أبي عمرو بن العلاء عشر حجج، فلم أسمعه يحتج ببيت إسلامي، قال: وفي أبي عمرو بن العلاء يقول الفرزدق:

مازلت أغلق أبواباً وأفتحهـا

 

حتى أتيت أبا عمرو بن عمار

 

والصحيح أن كنيته اسمه، وقيل اسمه زبان، وقيل غير ذلك، وليس بصحيح، وهو من خزاعي بن مازن، وحكي في نسبه في بعض الروايات أنه أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن عبد الله بن الحصين بن الحارث بن جلهم بن خزاعي بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم، ويقال: جلهم بن حجر بن خزاعي، والله أعلم.
وحكى أبو عمرو قال: طلب الحجاج بن يوسف الثقفي أبي، فخرج منه هارباً إلى اليمن، فإنا لنسير بصحراء باليمن إذ لحقنا لاحق ينشد:

ربما تكره النفوس من الام

 

ر له فرجة كحل العقال

 

قال: فقال أبي: مالخبر؟ قال: مات الحجاج، قال أبو عمرو: فأنا بقوله " له فرجة " أشد سروراً مني بموت الحجاج، قال، فقال أبي: اصرف ركابنا إلى البصرة. قال أبو عبيدة، قلت لأبي عمرو: كم سنك يوم يومئذ؟ قال: كنت قد خنقت بضعاً وعشرين سنة.


يقال فرجة بالفتح بين الأمرين وبالضم بين الجبلين.


وذكر في كتاب " طبقات النحاة " قال: حدث الأصمعي عن أبي عمرو ابن العلاء في قول رسول الله، صلى الله عليه وسلم " في الجنين غرة عبد أو أمة " لولا أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، أراد بالغرة معنى لقال: " في الجنين عبد أو أمة " ولكنه عنى البياض، ولا يقبل في الدية إلا غلام أبيض أو جارية بيضاء، لا يقبل فيها أسود ولا سوداء،وهذا غريب، ولا أعلم أهل يوافق مذهب أحد من الأئمة المجتهدين أم لا، ولغرابته نقلته. وذكر في هذا الكتاب أيضاً قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن قولهم " أرهبته ورهبته " فقال: ليستا بسواء، فقلت: رهبته فرقته، وأرهبته أدخلت الفرق في قلبه، قال أبو عمرو: ذهب من يعرف هذا منذ ثلاثين سنة.


وقال ابن مناذر: سألت أبا عمرو بن العلاء: حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم؟ قال: ما دامت الحياة تحسن به. وقال أبو عمرو: حدثنا قتادة السدوسي قال: لما كتب المصحف عرض على عثمان بن عفان، رضي الله عنه، فقال: إن فيه لحناً ولتقيمنه العرب بألسنتها.


وكان أبو عمرو إذا دخل شهر رمضان لم ينشد بيت شعر حتى ينقضي. وكان له في كل يوم فلسان يشتري بأحدهما كوزاً جديداً يشرب فيه يومه ثم يتركه لأهله، ويشتري بالأخر ريحاناً فيشمه يومه فإذا أمسى قال لجاريته: جففيه ودقيه في الأشنان.


 وروى بن يونس بن حبيب النحوي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: ما زدت في شعر العرب قط إلا بيتاً واحداً، وهو:

وأنكرتني وما كان الذي نكـرت

 

من الحوادث إلا الشيب والصلعا

 

وهذا البيت يوجد في جملة أبيات للأعشى، وهي أبيات مشهورة. وقال أبو عبيدة: دخل أبو عمرو بن العلاء على سليمان بن علي، وهو عم السفاح، فسأله عن شيء فصدقه، فلم يعجبه ما قاله، فوجد أبو عمرو في نفسه وخرج، وهو يقول:

أنفت من الذل عند الملوك

 

وأن أكرموني وإن قربوا

إذا ما صدقتهم خفتـهـم

 

ويرضون مني بأن يكذبوا

 

وحكى علي بن محمد بن سليمان النوفلي قال: سمعت أبي يقول لأبي عمرو بن العلاء: خبرني عما وضعت مما سميته عربيةً، يدخل فيه كلام العرب كله؟ فقال: لا، فقلت: فكيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهو حجة؟ قال: أعمل على الأكثر، واسمي ما خالفني لغات. وأخبار أبي عمرو كثيرة.


وكانت ولادته سنة سبعين، وقيل ثمان وستين، وقيل خمس وستين للهجرة بمكة. وتوفي سنة أربع وخمسين، وقيل تسع وخمسين، وقيل ست وخمسين ومائة بالكوفة، وكان قد خرج إلى الشام يجتدي عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام والي دمشق، فلما عاد إلى الكوفة توفي بها، وقال ابن قتيبة: مات في طريق الشام، ونسبوه في ذلك إلى الغلط، فقد ذكر بعض الرواة أنه رأى قبر أبي عمرو بالكوفة مكتوباً عليه " هذا قبر أبي عمرو بن العلاء ".


ولما حضرته الوفاة كان يغشى عليه ويفيق، فأفاق من غشية له، فإذا ابنه بشر يبكي، فقال: ما يبكيك وقد أتت علي أربع وثمانون سنة؟ رحمه الله تعالى.


ورثاه عبد الله بن المقفع بقوله:

رزئنا أبا عمرو ولا حي مثـلـه

 

فلله ريب الحادثات بمن فجـع

فإن تك قد فارقتنا وتـركـتـنـا

 

ذوي خلة ما في انسداد لها طمع

فقد جر نفعاً فقدنـا لـك أنـنـا

 

أمنا على كل الرزايا من الجزع

 

وقد قيل: إنما رثي بها يحيى بن زياد بن عبيد الله بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي الكوفي الشاعر المشهور، وهو ابن خال السفاح أول خلفاء بني العباس، رضي الله عنه؛ وقيل بل رثي بها عبد الكريم بن أبي العوجاء، والأول أشهر، والله أعلم؛ وقيل أن هذه الأبيات لمحمد بن عبد الله بن المقفع، والله أعلم.


وأقول: إن هذه المرثية إن كانت في أبي عمرو المذكور فما يمكن أن تكون لعبد الله لأنه مات قبل موت أبي عمرو، وإن كانت لمحمد فيمكن ذلك، ولكنها مشهورة في أبي عمر المذكور.


وإنما أتيت بأبي عمرو في هذا الحرف، وهذه كنية لا اسم، للعذر الذي تقدم في حرف الباء في ترجمة أبي بكر بن عبد الرحمن، فلينظر هناك.


وأما عبد الوهاب المذكور فهو ابن إبراهيم المعروف بالإمام المذكور في ترجمة أبيه محمد بن علي بن عبد الله بن العباس، رضي الله عنه، وكان عبد الوهاب يتولى الشام من جهة عمه المنصور، وكان المنصور يخافه فلما حضرت المنصور الوفاة وهو بباب مكة عند بئر ميمون كما هو مشهور قال لحاجبه الربيع ابن يونس المقدم ذكره: ما أخاف إلى صاحب الشام عبد الوهاب بن إبراهيم الإمام، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اكفني عبد الوهاب، قال الربيع: فلما مات المنصور ودليته في القبر وعرضت عليه الحجارة سمعت هاتفاً يهتف من القبر: مات عبد الوهاب، وأجيبت الدعوة، قال الربيع فهالني ذلك الصوت، وجيء بالخبر بعد سادسة أو سابعة بوفاة عبد الوهاب، هكذا ذكره ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون التي أولها:

 

الدهر يفجع بعد العين بالأثر

بعد قوله فيها:

وروعت كل مأمون ومؤتمـن

 

وأسلمت كل منصور ومنتصر

والله أعلم.