ابن السوادي

أبو الفرج العلاء بن علي بن محمد بن علي بن أحمد بن عبيد الله الواسطي، المعروف بابن السوادي الواسطي الكاتب الشاعر؛ كان شاعراً فاضلاً ظريفاً خليعاً مطبوعاً من بيت كبير في بلد مشهور بالكتابة والنباهة والتميز، وله شعر حسن فمنه قوله:

أشكو إليك ومن صدودك أشتكي

 

وأظن من شغفي بأنك منصفي

وأصد عنك مخافة من إن يرى

 

منك الصدود فيشتفي من يشتفي

 

وهو مأخوذ من قول بعضهم:

أخفي هواه عن العذول تجـلـداً

 

كي لا يرى جزعي عليه فيشتفي

 

وكنت قد وقفت على هذا البيت قبل وقوفي على بيتي ابن السوادي،فأعجبني المعني، فنظمته في دوبيت، وهو:

يا غصن نقا قـوامـه مـياد

 

أيام رضاك كلـهـا أعـياد

ما أكتم حزني عندما تهجرني

 

إلا حذرني أن تشمت الحساد

وقال عماد الدين الكاتب في كتاب " الخريدة ": أنشدني لنفسه:  

يميناً بما ضم المصلى وما حوت

 

رحاب منًى إني إليك مشـوق

 

وهي ثلاثة أبيات اقتصرت منها على هذا لأنه أحسنها.


وكان أبو القاسم هبة الله بن الفضل المعروف بابن القطان - الآتي ذكره في حرف الهاء إن شاء الله تعالى - قد هجا قاضي القضاة الزينبي بقصيدته الكافية التي أولها:

يا أخي الشرط أملك

 

لست للثلب أتـرك

 

وهي طويلة عدد أبياتها مائة وثمانية عشر بيتاً، وتناقلتها الرواة وسارت عنه، فبلغ ذلك الزينبي المذكور، فأحضر ابن الفضل وصفعه وحبسه لمدة ثم أفرج عنه، فاتفق أن حضر ابن السوادي المذكور إلى بغداد من واسط عقيب هذه الواقعة، ومدح الزينبي المذكور بقصيدة، فتأخرت عنه الجائزة، وتردد إلى مجلسه كثيراً فما أجدى عليه، فاجتمع بابن الفضل المذكور وشرح له حاله، وقال: أنا على عزم الانحدار إلى واسط، فإذا وصلت إلى بلدي هجوت الزينبي، وكان للزينبي صاحب يقال له أبو الفتح فكتب إليه ابن الفضل أبياتاً من جملتها:

يا أبا الفتح الهجـاء إذا

 

جاش صدرٌ فهو متسع

وقوافي الشعر واثـبةٌ

 

ولها الشيطان متـبـع

فاحذروا كافات منحدرٍ

 

مالكم في صفعه طمع

فاتصلت الأبيات بالزينبي، فأرسل لابن السوادي جائزة وطيب قلبه.

وكانت ولادة ابن السوادي بواسط سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، منتصف شهر ربيع الآخر ليلة الأربعاء. وتوفي سنة ست وخمسين وخمسمائة بواسط.

والسوادي: بفتح السين المهملة والواو وبعد الألف دال مهملة، هذه النسبة إلى سواد العراق، وإنما قيل له السواد لأن العرب لما رأت خضرة الأشجار قالت: ما هذا السواد؟ فبقي الاسم عليه.