الفائز العبيدي

أبو القاسم عيسى الملقب الفائز بن الظافر بن الحافظ بن محمد بن المستنصر بن الظاهر بن الحاكم بن العزيز بن المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي عبيد الله، وقد تقدم ذكر والده وجماعة من أهل بيته، وكيف قتل نصر بن عباس أباه حسبما شرح هناك، وهذا نصر بن عباس هو الذي قتل العادل بن السلار، وقد رفعت هناك في نسبه، فمن أراد معرفته فلينظره هناك.

ولما كان صبيحة ليلة قتل فيها الظافر حضر عباسٌ إلى القصر على جاري عادته في الخدمة، وأظهر عدم الاطلاع على قضيته وطلب الاجتماع به، ولم يكن أهل القصر قد علموا بقتله بعد، فإنه خرج من عندهم في خفية كما ذكر ثم، وما علم أحد بخروجه، فدخل الخدم إلى موضعه ليستأذنوا لعباس فلم يجدوه، فدخلوا إلى قاعة الحرم فقيل: إنه لم يبت ها هنا، وحاصل الأمر أنهم تطلبوه في جميع مظانه في القصر فلم يقفوا له على خبر، فتحققوا عدمه، فأخرج عباس المذكور أخوي الظافر - وهما جبريل ويوسف وهو أبو العاضد المقدم ذكره في جملة من اسمه عبد الله - وقال لهما: أنتما قتلتما إمامنا وما نعرف حاله إلا منكما، فأصرا على الإنكار وكانا صادقين في ذلك، فقتلهما في الوقت لينفي عن نفسه وابنه التهمة، ثم استدعى ولده الفائز المذكور وتقدير عمره خمس سنين، وقيل سنتان، فحمله على كتفه ووقف في صحن الدار، وأمر أن يدخل الأمراء، فدخلوا، فقال لهم: هذا ولد مولاكم وقد قتل عماه أباه، وقد قتلتهما كما ترون، والواجب إخلاص الطاعة لهذا الطفل فقالوا بأجمعهم: سمعنا وأطعنا، وصاحوا صيحة واحدة اضطرب منها الطفل وبال على كتف عباس، وسموه الفائز، وسيروه إلى أمه، واختل من تلك الصيحة فصار يصرع في كل وقت ويختلج، وخرج عباس إلى داره ودبر لأمور وانفرد بالتصرف ولم يبق على يده يد.

وأما أهل القصر فإنهم اطلعوا على باطن الأمر، وأخذوا في إعمال الحيلة في قتل عباس وابنه نصر، وكاتبوا الصالح بن رزيك الأرمني - المذكور في حرف الطاء - وكان إذ ذاك والي منية بن خصيب بالصعيد، وسألوه الانتصار لهم ولمولاه والخروج على عباس، وقطعوا شعورهم وسيروها طي الكتاب وسودوا الكتاب، فلما وقف الصالح عليه أطلع من حوله من الأجناد عليه وتحدث معهم في المعنى، فأجأبوا إلى الخروج معه، واستمال جمعاً من العرب، وساروا قاصدين القاهرة وقد لبسوا السواد، فلما قاربوها خرج إليهم جميع من بها من الأمراء والأجناد والسودان، وتركوا عباساً وحده، فخرج عباس في ساعته من القاهرة هارباً ومعه شيء من ماله، وخرج معه ولده نصر قاتل الظافر، وأسامة بن منقذ - المذكور في حرف الهمزة - فقد قيل: إنه الذي أشار عليهما بقتل الظافر وشرح ذلك يطول وقد تقدم في ترجمة العادل بن السلار ذكره أيضاً وأنه الذي أشار بقتله، والله العالم بالخفيات. وكان معهم جماعة يسيرة من أتباعهم، وقصدوا طريق الشام على أيلة، وذلك في رابع عشر شهر ربيع الأول سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وأما الصالح بن رزيك فإنه دخل القاهرة بغير قتال، وما قدم شيئاً على النزول بدار عباس المعروفة بدار المأمون ابن البطائحي وهي اليوم مدرسة للطائفة الحنفية، وتعرف بالسيوفية، واستحضر الخادم الصغير الذي كان مع الظافر ساعة قتله، وسأله عن الموضع الذي دفن فيه، فعرفه به، وقلع البلاطة التي كانت عليه، وأخرج الظافر ومن معه من المقتولين وحملوا، وقطعت لهم الشعور وانتشر البكاء والنياح في البلد، ومشى الصالح والخلق قدام الجنازة إلى موضع الدفن، وهو في تربة آبائه، وهي معروفة في قصرهم. وتكفل الصالح بالصغير ودبر أحواله.

وأما عباس ومن معه فإن أخت الظافر كاتبت فرنج عسقلان بسببه وشرطت لهم مالاً جزيلاً بسببه إذا أمسكوه، فخرجوا عليه وصادفوه، فتواقعوا وقتلوا عباساً وأخذوا ماله وولده وانهزم بعض أصحابه إلى الشام، وفيهم ابن منقذ، فسلموا، وسيرت الفرنج نصر بن عباس إلى القاهرة تحت الحوطة في قفص حديد، فلما وصل تسلم رسولهم ما شرطوا لهم من المال، فأخذوا نصراً المذكور وضربوه بالسياط ومثلوا به، وصلبوه بعد ذلك على باب زويلة، ثم أنزلوه يوم عاشوراء من سنة إحدى وخمسين وخمسمائة ثم أحرقوه، هذه خلاصة الواقعة وإن كان فيها طول.

وكان دخول نصر بن عباس إلى القصر بالقاهرة في السابع والعشرين من شهر ربيع الأول من سنة خمسين وخمسمائة، وأخرج من القصر يوم الاثنين سادس عشر شهر ربيع الآخر من السنة، وكان قد قطعت يده اليمنى وقرض جسمه بالمقاريض، والله أعلم، وقيل كان ذلك يوم الجمعة ثامن الشهر المذكور.

ولم تطل مدة الفائز في ولايته، وكانت ولادته يوم الجمعة لتسع بقين من المحرم سنة أربع وأربعين وخمسمائة وتولى في تاريخ وفاة والده - وهو مذكور في ترجمته في حرف الهمزة، واسمه إسماعيل - وتوفي ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى، وتولى بعده العاضد - وقد سبق ذكره - وهو آخرهم.