القاضي عياض

القاضي أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض بن عمرو بن موسى بن عياض ابن محمد بن موسى بن عياض اليحصبي السبتي؛ كان إمام وقته في الحديث وعلومه والنحو واللغة وكلام العرب وأيامهم وأنسابهم وصنف التصانيف المفيدة منها " الإكمال في شرح كتاب مسلم " كمل به "المعلم في شرح مسلم " للمازري، ومنها " مشارق الأنوار " وهو كتاب مفيد جداً في تفسير غريب الحديث المختص بالصحاح الثلاثة وهي: الموطأ والبخاري ومسلم، وشرح حديث أم زرع شرحاً مستوفى، وله كتاب سماه "التنبيهات " جمع فيه غرائب وفوائد، وبالجملة فكل تواليفه بديعة.

ذكره أبو القاسم بن بشكوال في كتاب " الصلة " فقال: دخل الأندلس طالباً للعلم، فأخذ بقرطبة عن جماعة، وجمع من الحديث كثيراً، وكان له عناية كبيرة به والاهتمام بجمعه وتقييده. وهو من أهل التفنن في العلم والذكاء واليقظة والفهم، واستقضي ببلده - يعني مدينة سبتة - مدة طويلة حمدت سيرته فيها، ثم نقل عنها إلى قضاء غرناطة، فلم يطل أمده فيها؛ انتهى كلامه.

وللقاضي عياض شعر حسن، فمنه ما رواه عنه ولده أبو عبد الله محمد قاضي دانية قال: أنشدني أبي لنفسه في خامات زرع بينها شقائق النعمان هبت عليه ريح:

انظر إلى الزرع وخامـاتـه

 

تحكي وقد ماست أمام الرياح

كتيبةً حـمـراء مـهـزومة

 

شقائق النعمان فيها جـراح

 

الخامة: القصبة الرطبة من الزرع.


وأنشد أيضاً لأبيه:

الله يعلم أني منـذ لـم أركـم

 

كطائرٍ خانه ريح الجناحـين

فلو قدرت ركبت البحر نحوكم

 

لأن بعدكم عني جنى حينـي

 

ورأيت لابن العريف رسالة كتبها إليه فأحببت ذكرها، ثم أضربت عنها لطولها.


وذكره العماد في " الخريدة "فقال: كبير الشان، غزير البيان،وذكر له البيتين في الزرع الذي بينه شقائق النعمان، ثم قال بعد ذلك: وله في لزوم ما لا يلزم:

إذا ما نشرت بساط انبـسـاطٍ

 

فعنه فديتك فاطو المـزاحـا

فإن المزاح على ما حـكـاه

 

أولو العلم قبلي عن العلم زاحا

 

ومدحه أبو الحسن ابن هارون المالقي الفقيه المشاور بقوله:

ظلموا عياضاً وهو يحلم عنهـم

 

والظلم بين العالـمـين قـديم

جعلوا مكان الراء عيناً في اسمه

 

كي يكتموه فإنـه مـعـلـوم

لولاه ما ناحت أباطـح سـبـتةٍ

 

والروض حول فنائها معـدوم

 وذكره ابن الأبار في تسمية أصحاب أبي علي الغساني، فقال: من أهل سبتة، وأصله من بسطة، يكنى أبا الفضل، أحد الأئمة الحفاظ الفقهاء المحدثين الأدباء، وتواليفه وأشعاره شاهدة بذلك، كتب إليه أبو علي في جماعة جلة، ولقي أيضاً آخرين مثلهم، وشيوخه يقاربون المائة.

وكان مولد القاضي عياض بمدينة سبتة في النصف من شعبان سنة ست وسبعين وأربعمائة. وتوفي بمراكش يوم الجمعة سابع جمادى الآخرة، وقيل في شهر رمضان سنة أربع وأربعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى، ودفن بباب إيلان داخل المدينة؛ وتولى القضاء بغرناطة سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة.

وتوفي ولده المذكور سنة خمس وسبعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.

وعياض: بكسر العين المهملة وفتح الياء المثناة من تحتها وبعد الألف ضاد معجمة.

واليحصبي: بفتح الياء المثناة من تحتها وسكون الحاء المهملة وضم الصاد المهملة وفتحها وكسرها وبعدها باء موحدة، هذه النسبة إلى يحصب بن مالك قبيلة من حمير.

وسبتة: مدينة مشهورة بالمغرب، وكذلك غرناطة - بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح النون وبعد الألف طاء مهملة ثم هاء - وهي بالأندلس.