الفقيه عيسى الهكاري

الفقيه أبو محمد عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن أحمد بن يوسف بن القاسم ابن عيسى بن محمد بن القاسم بن محمد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، هكذا أملى علي نسبه ولد ولد أخيه، ويقال له الهكاري، الملقب ضياء الدين.

كان أحد الأمراء بالدولة الصلاحية، كبير القدر وافر الحرمة معولاً عليه في الآراء والمشورات. وكان في مبدأ أمره يشتغل في الفقه بالمدرسة الزجاجية بمدينة حلب، فاتصل بالأمير أسد الدين شيركوه، عم السلطان صلاح الدين - المقدم ذكره - وصار إمامه يصلي به الفرائض الخمس. ولما توجه أسد الدين إلى الديار المصرية، وتولى الوزارة - كما سبق شرحه - كان في صحبته.

ولما توفي أسد الدين اتفق الفقيه عيسى المذكور والطواشي بهاء الدين قراقوش - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - على ترتيب السلطان صلاح الدين موضعه في الوزارة، ودققا الحيلة في ذلك حتى بلغا المقصود، وشرح ذلك يطول؛ فلما تولى صلاح الدين رأى له ذلك واعتمد عليه، ولم يكن يخرج عن رأيه، وكان كثير الإدلال عليه، يخاطبه بما لا يقدر عليه غيره من الكلام، وكان واسطة خير للناس نفع بجاهه خلقاً كثيراً.

ولم يزل على مكانته وتوفر حرمته إلى أن توفي في يوم الثلاثاء عند طلوع الشمس، التاسع من ذي القعدة سنة خمس وثمانين وخمسمائة بالمخيم بمنزلة الخروبة، ثم نقل إلى القدس ودفن بظاهرها، رحمه الله تعالى.

وكان يلبس زي الأجناد ويعتم بعمائم الفقهاء، فيجمع بين اللباسين. ورأيت أخاه الأمير مجد الدين أبا حفص عمر أيضاً على هذه الصفة.

والخروبة: بفتح الخاء المعجمة وتشديد الراء وضمها وسكون الواو وفتح الباء الموحدة وبعدها هاء ساكنة، موضع بالقرب من عكا.

وكانت ولادة أخيه مجد الدين عمر في رجب سنة ستين وخمسمائة. وتوفي في الثالث والعشرين من ذي الحجة سنة ست وثلاثين وستمائة بالقاهرة ودفن بسفح المقطم، وحضرت الصلاة عليه، عليه رحمة الله.