الشهاب فتيان الشاغوري

الشهاب فتيان بن علي بن فتيان بن ثمال، الأسدي الحريمي المعروف بالشاغوري المعلم، كان فاضلا وشاعرا ماهرا، خدم الملوك ومدحهم وعلم أولادهم، وله ديوان شعر فيه مقاطيع حسان، وأقام مدة بالزبداني وله فيها أشعار لطيفة، فمن ذلك قوله في جنة الزبداني، وهي أرض فيحاء جميلة المنظر تتراكم عليها الثلوج في زمن الشتاء وتنبت أنواع الأزهار في زمن الربيع، ولقد أحسن فيها كل الإحسان، وهي:

قد أجمد الخمر كانون بكـل قـدح

 

وأخمد الجمر في الكانون حين قدح

ياجنة الزبداني أنـت مـسـفـرة

 

بحسن وجه إذا وجه الزمان كلـح

فالثلج قطن عليك السحب تنـدفـه

 

والجو يحلجه والقوس قوس قـزح

 

وله وقد دخل إلى حمام ماؤها شديد الحرارة، وكان قد شاخ وكبر:

أرى ماء حمامكم كالحمـيم

 

نكابد منه عنـاء وبـوسـا

وعهدي بكم تسمطون الجداء

 

فما بالكم تسمطون التيوسا

 

ثم وجدت في كتاب الخريدة في ترجمة سعد بن إبراهيم الشيباني الاسعردي الملقب بالمجد الكاتب خمسة أبيات، قال العماد الأصبهاني صاحب الخريدة: أنشدنيها سعد المذكور في ذم حمام، ولم يقل إنها له، والبيت الخامس منها:

وقد كان في العرف سمط الجداء

 

فلم صرتم تسمطون التـيوسـا

 

وقال العماد: وهو إلى سادس شهر ربيع الآخر سنة سبع وثمانين وخمسمائة مقيم بالعسكر المنصور على عكا.


قلت: فقد استعمله فتيان الشاعر تضمينا، فنبهت عليه كيلا يظن أنه لفتيان.


وكان قد تعلق بخدمة الأمير بدر الدين مودود بن المبارك شحنة دمشق، وهو أخر عز الدين فروخ شاه ابن أخي السلطان صلاح الدين لأمه، وكان يعلم أولاده الخط، فكتب إليه شرف الدين بن عنين:

يامن تلقب ظلما بالشهاب وإن

 

نافى بظلمته في أفقها الشهبا

لا يغررنك من مودود دولتـه

 

وإن تمسكت من أسبابها سببا

فلست تنبح فيها غـير واحـدة

 

حتى تلف على خيشومك الذنبا

 

وهذا البيت الأخير من أبيات الحماسة وقد استعمله تضمينا، وكانت بينهما مكاتبات ومداعبات يطول شرحها.


ومولده بعد سنة ثلاثين وخمسمائة ببانياس. ومن شعره:

علام تحركي والحظ ساكن

 

وما نهنهت في طلب ولكن

أرى نذلا تقدمه المسـاوي

 

على حر تؤخره المحاسن

 

وله ديوان آخر صغير جميع ما فيه دوبيت رأيته بدمشق ونقلت منه:

الورد بوجنتـيك زاه زاهـر

 

والسحر بمقلتيك واف وافـر

والعاشق في هواك ساه ساهر

 

يوجر ويخاف فهو شاك شاكر

 

وتوفي فتيان المذكور سحر الثاني والعشرين من المحرم سنة خمس عشرة وستماءة، ودفن بمقابر باب الصغير، رحمه الله تعالى.


والشاغوري: بفتح الشين المعجمة وبعد الألف غين معجمة مضمومة ثم واو ساكنة بعدها راء، هذه النسبة إلى الشاغور، وهي عمارة بظاهر دمشق من جملة ضواحيها.


والزبداني: بفتح الزاي والباء الموحدة والدال المهملة وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها، وهي قرية بين دمشق وبعلبك كثيرة الأشجار والمياه، رأيتها مرارا، وهي في غاية الحسن والطيبة.