الفضل بن الربيع

أبو العباس الفضل بن الربيع بن يونس بن محمد بن عبد الله بن أبي فروة، واسمه كيسان، مولى عثمان بن عفان، رضي الله عنه، وقد تقدم ذكر أبيه في حرف الراء وشيء من أخباره مع المنصور أبي جعفر، فلما آل الأمر إلى الرشيد واستوزر البرامكة، كان الفضل بن الربيع يروم التشبه بهم ومعارضتهم، ولم يكن له من القدرة ما يدرك به اللحاق بهم، فكان في نفسه منهم إحن وشحناء، قال عبيد الله بن سليمان بن وهب: إذا أراد الله تعالى هلاك قوم وزوال نعمتهم جعل لذلك أسبابا، فمن أسباب زوال أمر البرامكة تقصيرهم بالفضل بن الربيع وسعي الفضل بهم وتمكنه من المجالسة مع الرشيد فأوغر قلبه عليهم ومالأه على ذلك كاتبهم إسماعيل بن صبيح حتى كان ما كان.

ويحكى أن الفضل المذكور دخل يوما على يحيى بن خالد البرمكي، وقد جلس لقضاء حوائج الناس، وبين يديه ولده جعفر يوقع في القصص، فعرض الفضل عليه عشر رقاع للناس، فتعلل يحيى في كل رقعة بعلة ةلم يوقع في شيء منهاألبتة، فجمع الفضل الرقاع وقال: ارجعن خائبات خاسئات، ثم خرج وهو يقول:

عسى وعسى يثني الزمان عنانه

 

بتصريف حال والزمان عثور

فتقضى لبانات وتشفى حسائف

 

وتحدث من بعد الأمور أمـور

 

 فسمعه يحيى وهو ينشد ذلك، فقال له: عزمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت، فرجع فوقع له في جميع الرقاع. ثم ما كان إلا القليل حتى نكبوا على يده وتولى بعدهم وزارة الرشيد، وفي ذلك يقول أبو نواس وقيل أبو حزرة:

ما رعى الدهر آل برمك لما

 

أن رمى ملكهم بأمر فظيع

إن دهرا لم يرع عهدا ليحيى

 

غير راع ذمام آل الربـيع

 

وتنازع يوما جعفر بن يحيى والفضل بن الربيع بحضرة الرشيد، فقال جعفر للفضل: يا لقيط، إشارة إلى ما كان يقال عن أبيه الربيع: إنه لا يعرف نسبه وأبوه، حسبما ذكرناه في ترجمته، فقال الفضل: اشهد يا أمير المؤمنين، فقال جعفر للرشيد: تراه عند من يقيمك هذا الجاهل شاهدا يا أمير المؤمنين، وأنت حاكم الحكام.


ومات الرشيد والفضل مستمر على وزارته وكان في صحبة الرشيد، فقرر الأمور للأمين محمد بن الرشيد، ولم يعرج على المأمون وهو بخراسان، ولا التفت إليه، فعزم المأمون على إرسال طائفة من عسكره لأن يعترضوه في طريقه لما انفصل عن موضع وفاة الرشيد، وهو طوس حسبما ذكرته في ترجمة الفضل ابن يحيى البرنمي، فأشار عليه وزيره الفضل بن سهل أن لا يعترض له، وخاف عاقبته.


ثم إن الفضل بن الربيع خاف من المأمون إن انتهت الخلافة إليه، فزين للأمين أن يخلع المأمون من ولاية العهد، ويجعل ولي عهده موسى بن الأمين، وحصلت الوحشة بين الأخوين إلى أن سير المأمون جيشا من خراسان مقدمه طاهر بن الحسين المقدم ذكره بإشارة وزيره الفضل بن سهل، وأخرج الأمين من بغداد جيشا بإشارة وزيره الفضل بن الربيع المذكور، مقدمه علي بن عيسى ابن ماهان، فالتقيا، وقتل علي بن عيسى، وذلك في سنة أربع وتسعين ومائة.


ثم اضطربت أحوال الأمين وقويت شوكة المأمون، ولما رأى الفضل ابن الربيع الأمور مختلة استتر في رجب سنة ست وتسعين ومائة، ثم ظهر لما ادعى إبراهيم بن المهدي الخلافة ببغداد، كما ذكرته في ترجمته، واتصل به ابن الربيع، فلما اختل حال إبراهيم استتر ابن الربيع ثانيا، وشرح ذلك يطول.


وخلاصته أن طاهر بن الحسين سأل المأمون الرضا عنه، فأدخله عليه، وقيل غير ذلك، إلا أنه لم يزل بطالا إلى أن مات، ولم يكن له في دولة المأمون حظ، والله أعلم.


وكتب إليه أبو نواس يعزيه في الرشيد، ويهنئه بولاية ولده الأمين:

تعز أبا العباس عن خير هـالـك

 

بأكرم حي كـان أو هـو كـائن

حوادث أيام تـدور صـروفـهـا

 

لهن مسـاو مـرة ومـحـاسـن

وفي الحي بالميت الذي غيب الثرى

 

فلا أنت مغبون ولا الموت غابـن

 

وفيه أيضا قال أبو نواس من جملة أبيات:

وليس لله بمسـتـنـكـر

 

أن يجمع العالم في واحد

 

قال أبو بكر الصولي: ولقد أخذ أحمد بن يوسف الكاتب هذا المعنى وزاد عليه، وكتبه إلى بعض إخوانه، وقد ماتت له ببغاء، وله أخ كثير التخلف يسمى عبد الحميد:

أنت تبقى ونحن طرا فداكـا

 

أحسن الله ذو الجلال عزاكا

فلقد جل خطب دهر أتاكـا

 

بمقادير أتلفت ببـغـاكـا

عجبا للمنون كيف أتتـهـا

 

وتخطت عبد الحميد أخاكـا

كان عبد الحميد أصلح للمو

 

ت من الببغا وأولى بذاكـا

شملتنا المصيبتان جمـيعـا

 

فقدنـا هـذه ورؤية ذاكـا

وقد تقدم في ترجمة ابن الرومي ذكر المقطوعين المقولين في الوزير أبي القاسم عبيد الله وولديه الحي والميت، وذلك المعنى مأخوذ من هذه الأبيات وأبو نواس هو الذي فتح لهم الباب، ومنه أخذ الباقون، وإن كان بينهم مغايرة ما لكن المادة واحدة.

وكانت وفاة الفضل بن الربيع في ذي القعدة، سنة ثمان ومائتين وسنة ثمان وستون سنة، وقيل في شهر ربيع الآخر، رحمه الله تعالى، وفيه يقول أبو نواس أبياته الدالية التي فيها والخير عادة.