قتيبة بن مسلم

أبو حفص قتيبة بن أبي صالح مسلم بن عمرو بن الحصن بن ربيعة بن خالد بن أسيد الخير بن قضاعي بن هلال بن سلامة بن ثعلبة بن وائل بن معن بن مالك بن أعصر بن سعد بن قيس عيلان بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، الباهلي أمير خراسان زمن عبد الملك بن مروان من جهة الحجاج بن يوسف الثقفي لأنه كان أمير العراقين، وكل من كان يليهما كانت خراسان مضافة إليه، وأقام بها ثلاث عشرة سنة، وكان من قبلها على الري وتولى خراسان بعد يزيد ابن المهلب بن أبي صفرة وفي ترجمة يزيد شرح ذلك وهو الذي افتتح خوارزم وسمرقند وبخارى، وقد كانوا كفروا. وكان شهما مقداما نجيبا، وكان أبوه مسلم كبير القدر عند يزيد بن معاوية، وهو صاحب الحرون، وكان الحرون من الفحول المشاهير يضرب به المثل. ثم فتح قتيبة فرغانة في سنة خمس وتسعين في أواخر أيام الوليد بن عبد الملك وقال أهل التاريخ: بلغ قتيبة بن مسلم في غزو الترك والتوغل في بلاد ما وراء النهر وافتتاح القلاع واستباحة البلاد وأخذ الأموال وقتل الفتاك ما لم يبلغه المهلب بن أبي صفرة ولا غيره، حتى إنه فتح بلاد خوارزم وسمرقند في عام واحد، ولما فتح هاتين المدينتين الجليلتين عادت السغد وحملت الاتاوة. ودعا قتيبة لما تمت له هذه الأحوال نهار بن توسعة شاعر المهلب بن أبي صفرة وبنيه، وقال له: أين قولك في المهلب لما مات:

ألا ذهب الغزو المقرب للغنـى

 

ومات الندى والجود بعد المهلب

 

أفغزو هذا يا نهار؟ قال: لا بل هذا حشر. ثم قال نهار وأنا القائل:

ولا كان مذ كنا ولا كان قبلنا

 

ولا هو فيما بعدنا كابن مسلم

أعم لأهل الترك قتلا بسيفه

 

وأكثر فينا مقسما بعد مقسم

 

ثم إنه لما بلغ الحجاج ما فعل قتيبة من الفتوحات والقتل والسبي قال: بعثت قتيبة فتى غزاء فما زدته باعا إلا زادني ذراعا.


فلما مات الوليد في سنة ست وتسعين وتولى الأمر أخوه سليمان بن عبد الملك وكان يكره قتيبة لأمر يطول شرحه، فخاف منه قتيبة وخلع بيعة سليمان وخرج عليه وأظهر الخلاف، فلم يوافقه على ذلك أكثر الناس، وكان قتيبة قد عزل وكيع بن حسان بن قيس بن يوسف بن كلب بن عوف بن مالك بن غدانة واسم غدانة أشرس وكنيه وكيع أبو المطرف الغداني عن رياسة بني تميم، فحقد وكيع عليه وسعى في تأليب الجند سرا وتقاعد عن قتيبة متمارضا، ثم خرج عليه وهو بفرغانة فقتله مع أحد عشر من أهله، وذلك في ذي الحجة سنة ست وتسعين للهجرة، وقيل سنة سبع وتسعين. ومولده سنة تسع وأربعين، وتولى خراسان تسع سنين وسبعة أشهر، هكذا قال السلامي في تاريخ ولاة خراسان وهو خلاف ما قيل أولا وقال الطبري: تولى خراسان سنة ست وثمانين وفي قتله يقول جرير:

ندمتم على قتل الأغر ابن مسلم

 

وأنتم إذا لاقيتـم الـلـه أنـدم

لقد كنتم من غزوة في غنـيمة

 

وأنتم لمن لاقيتم اليوم مغـنـم

على أنه أفضى إلى حور جنة

 

وتطبق بالبلوى عليكم جهنـم

 

وقتل أبوه مسلم بن عمرو مع مصعب بن الزبير في سنة اثنتين وسبعين للهجرة.
وقتيبة المذكور جد أبي عمرو سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم، وكان سعيد المذكور سيدا كبيرا ممدحا، وفيه يقول عبد الصمد بن المعذل يرثيه:

كم يتيم نعشتـه بـعـد يتـم

 

وفقير أغنيته بـعـد عـدم

كلما عضت النوائب نـادى

 

رضي الله عن سعيد بن سلم

 

وتولى سعيد أرمينية والموصل والسند وطبرستان وسجستان والجزيرة، وتوفي سنة سبع عشرة ومائتين، ومن أخباره أنه قال: لما كنت واليا بأرمينية أتاني أبو دهمان الغلابي فقعد على بابي أياما فلما وصل إلي جلس قدامي بين السماطين، وقال: والله إني لأعرف أقواما لو علموا أن سف التراب يقيم أود أصلابهم لجعلوه مسكة لأرماقهم إيثارا للتنزه عن عيش رقيق الحواشي، أما والله إني لبعيد الوثبة، بطيء العطفة، إنه والله ما يثنيني عليك إلا مثل ما يصرفك عني، ولأن أكون مقلا مقربا أحب إلي من أن أكون مكثرا مبعدا، والله ما نسأل عملا لا نضبطه، ولا مالا إلا ونحن أكثر منه، إن هذا الأمر الذي صار في يديك قد كان في يد غيرك فأمسكوا والله حديثا إن خيرا فخير وإن شرا فشر، فتحبب إلى عباد الله بحسن البشر ولين الحجاب، فإن حب عباد الله موصول بحب الله، وهم شهداء الله على خلقه، ورقباء على من اعوج عن سبيله، والسلام.


ولما مات ولده عمرو بن سعيد المذكور رثاه أبو عمرو أشجع بن عمرو السلمي الرقي نزيل البصرة الشاعر المشهور بقوله:

مضى ابن سعيد حين لم يبق مشرق

 

ولا مفـرب إلا لـه فـيه مـادح

وما كنت أدري ما فواضـل كـفـه

 

على الناس حتى غيبته الصـفـائح

وأصبح في لحد من الأرض ضـيق

 

وكانت به حيا تضيق الصحـاصـح

سأبكيك ما فاضت دموعي فإن تغض

 

فحسبك مني ما تجن الـجـوانـح

فما أنا من رزء وإن جـل جـازع

 

ولا بسرور بعـد مـوتـك فـارح

كأن لم يمت حي سـواك ولـم يقـم

 

على أحـد إلا عـلـيك الـنـوائح

لئن حسنت فيك المرائي وذكـرهـا

 

لقد حسنت من قبل فيك الـمـدائح

 

وهذه المرثية من محاسن المراثي، وهي في كتاب الحماسة والبيت الأخير منها مثل قول مطيع بن إياس في يحيى بن زياد من جملة أبيات:

يا خير من يحسن البكاء له ال

 

يوم ومن كان أمس للمـدح

 

وهذه الأبيات في الحماسة في باب المراثي.


وأخباره كثيرة. وقد تقدم الكلام على الباهلي في ترجمة الأصمعي، وأن هذه النسبة إلى أي شيء هي، وكانت العرب تستنكف من الانتساب إلى هذه القبيلة حتى قال الشاعر:

وما ينفع الأصل من هاشم

 

إذا كانت النفس من باهله

 

وقال الآخر:

ولو قيل للكلـب يا بـاهـلـي

 

عوى الكلب من لؤم هذا النسب

 وقيل لأبي عبيدة: يقال إن الأصمعي دعي في نسبه إلى باهلة، فقال: هذا ما يمكن، فقيل: ولم؟ فقال: لأن الناس إذا كانوا من باهلة تبرأوا منها، فكيف يجيء من ليس منها وينتسب إليها؟ ورأيت في بعض المجاميع أن الأشعث ابن قيس الكندي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتتكافأ دماؤنا؟ فقال: نعم، ولو قتلت رجلا من باهلة لقتلتك به. وقال قتيبة بن مسلم المذكور لهبيرة بن مسروح: أي رجل أنت لو كان أخوالك من غير سلول؟ فلو بادلت بهم، فقال: أصلح الله الأمير، بادل بهم من شئت من العرب وجنبني باهلة. ويحكى أن أعرابيا لقي شخصا في الطريق فسأله: ممن أنت؟ فقال: من باهلة، فرثى له الأعرابي، فقال ذلك الشخص: وأزيدك أني لست من صميمهم، ولكن من مواليهم، فأقبل الأعرابي عليه يقبل يديه ورجليه، فقال له: ولم ذاك؟ فقال: لأن الله تبارك وتعالى ما ابتلاك بهذه الرزية في الدنيا إلا ويعوضك الجنة في الآخرة. وقيل لبعضهم: أيسرك أن تدخل الجنة وأنت باهلي؟ فقال: نعم، بشرط ألا يعلم أهل الجنة أني باهلي، والأخبار في ذلك كثيرة، رحمهم الله أجمعين.

وسئل حسين بن بكر الكلابي النسابة عن السبب في اتضاع باهلة وغني عند العرب، فقال: لقد كان بينهما غناء وشرف، ولم يضعهما إلا إشراف أخويهما فزارة وذبيان عليهما بالمآثر، فدنؤا بالإضافة إليهما ذكر ذلك الوزير أبو القاسم المغربي في كتاب أدب الخواص وقد تقدم الكلام على قتيبة في ترجمة عبد الله بن مسلم بن قتيبة.