مجاهد الدين قايماز الزيني

أبو منصور قايماز بن عبد الله الزيني، الملقب مجاهد الدين الخادم، كان عتيق زين الدين أبي سعيد علي بن بكتكين والد الملك المعظم مظفر الدين صاحب إربل، وهو من أهل سجستان، أخذ منها صغيرا، وكان أبيض اللون، وكانت مخايل النجابة لائحة عليه، فقدمه معتقه وجعله أتابك أولاده، وفوض إليه أمور إربل في خامس شهر رمضان سنة تسع وخمسين وخمسمائة، فأحسن السيرة وعدل في الرعية، وكان كثير الخير والصلاح، بنى بإربل مدرسة وخانقاه وأكثر وقفهما، ثم انتقل إلى الموصل في سنة إحدى وسبعين وخمسمائة وسكن قلعتها وتولى أمور تدبيرها وراسل الملوك وراسلوه، وكان يبلغ منهم بكتبه ما لا يبلغ سواه، وفوض إليه الأتابك سيف الدين غازي بن مودود - المقدم ذكره - صاحب الموصل الحكم في سائر بلاده لما رآه من حسن مقاصده، واعتمد عليه في جميع أحواله، وكان نائبه وهو السلطان في الحقيقة، وكان يحمل إليه أكثر أموال إربل، وأثر بالموصل آثارا جميلة، منها أنه بنى بظاهرها جامعا كبيرا ومدرسة وخانقاه، والجميع متجاورة، ووقف أملاكا كثيرة على خبز الصدقات، وأنشأ مكتبا للأيتام، وأجرى لهم جميع ما يحتاجون إليه، ومد على شط الموصل جسرا غير الجسر الأصلي، ووجد الناس به رفقا كثيرا لعدم كفايتهم بالجسر الأصلي، وله شيء كثير من وجوه البر، ومدحه جماعة من الشعراء منهم حيص بيص وسبط ابن التعاويذي - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - بقصيدته التي أولها:

عليل الشوق فيك متى يصح

 

وسكران بحبك كيف يصحو

وبين القلب والسلوان حرب

 

وبين الجفن والعبرات صلح

 

وهي من قصائده المختارة، وسيرها إليه من بغداد فأجازه جائزة سنية، وسير له معها بغلة، فوصلت إليه وقد هزلت من تعب الطريق، فكتب إليه:

مجاهد الدين دمـت ذخـرا

 

لكـل ذي فـاقة وكـنـزا

بعثت لي بـغـلة ولـكـن

 

قد مسخت في الطريق عنزا

 

ومدحه بهاء الدين أبو المعالي أسعد بن يحيى السنجاري - المقدم ذكره - بقصيدته المشهورة التي يتغنى بها، ومن جملتها:

يا قلب تبا لك من صاحـب

 

كان البلا منك ومن ناظري

للـه أيامـي عـلـى رامة

 

وطيب أوقاتي على حاجر

تكاد بالسرعة في مـرهـا

 

أولها يعـثـر بـالآخـر

 

وعمل له أبو المعالي أسعد بن علي الحظيري - المقدم ذكره - كتاب الإعجاز في حل الأحاجي والألغاز برسم الأمير مجاهد الدين قايماز وحمله إليه لما كان بإربل، وأقام عنده مدة، فاشتاق إلى أهله بالحظيرة فقال:

ألا من لصب قليل العزاء

 

غريب يحن إلى المنزل

ينادي بإربل أحـبـابـه

 

وأنى الحظيرة من إربل

 

وكان يحب الأدب والشعر، أنشدني بعض أصحابنا قال: كثيرا ما كان ينشد أبياتا من جملتها:

إذا أدمت قوارصكم فـؤادي

 

صبرت على أذاكم وانطويت

وجئت إليكم طلق المـحـيا

 

كأني ما سمعت ومـا رأيت

 وهذان البيتان من جملة أبيات لأسامة بن منقذ - المقدم ذكره وقد تقدم في ترجمة العلم أبي علي الحسن بن سعيد الشاتاني ذكر بيتين عملهما فيه لما قبض عليه وبالجملة فآثاره مشهورة.

وكان مجد الدين أبو السعادات المبارك بن الأثير الجزري صاحب جامع الأصول كاتبا بين يديه ومنشئا عنه إلى الملوك، وكان قد مات الأتابك سيف الدين وتولى أخوه عز الدين مسعود، فسعى أهل الفساد إليه في حقه، وكثير ذلك منهم فقبض عليه في سنة تسع وثمانين وخمسمائة، ثم ظهر له فساد رأيه في ذلك، فأطلقه وأعاده إلى ما كان عليه.

واستمر على ذلك إلى أن توفي في منتصف شهر ربيع الأول، وقيل في سادسه، وقال ابن المستوفي في تاريخ إربل: في صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة بقلعة الموصل. وكان شروعه في عمارة جامعه بالموصل في سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.