شمس المعالي قابوس

الأمير شمس المعالي أبو الحسن قابوس بن أبي طاهر وشمكير بن زيار بن وردانشاه الجيلي، أمير جرجان وبلاد الجيل وطبرستان.

قال الثعالبي في اليتيمة: أنا أختم هذا الجزء بذكر خاتم الملوك، وغرة الزمان، وينبوع العدل والإحسان، ومن جمع الله سبحانه له إلى عزة العلم بسطة القلم، وإلى فصل الحكمة فصل الحكم. ثم قال: ومن مشهور ما ينسب إليه من الشعر قوله:

قل للذي بصروف الدهر عيرنـا

 

هل حارب الدهر إلا من له خط

أما ترى البحر تعلو فوقه جـيف

 

وتستقر بأقصى قعـره الـدرر

فإن تكن عبثت أيدي الزمان بنـا

 

ومسنا من تمادي بؤسه ضـرر

ففي السماء نجوم ما لهـا عـدد

 

وليس يكسف إلا الشمس والقمر

 

وينسب إليه أيضا:

خطرات ذكرك تستثير مودتي

 

فأحس منها في الفؤاد دبيبـا

لا عضو لي إلا وفيه صبـابة

 

فكأن أعضائي خلقن قلوبـا

 

وذكر له جملة من النثر أيضا.


وكان خطه في نهاية الحسن. وكان الصاحب بن عباد إذا رأى خطه قال: هذا خط قابوس، أم جناح طاووس، وينشد قول المتنبي:

في خطه من كل قلب شهوة

 

حتى كأن مدادهـالأهـواء

ولكل عين قرة في قـربـه

 

حتى كأن مغيبـه الأقـذاء

وكان الأمير المذكور صاحب جرجان وتلك البلاد، وكانت من قبله لأبيه.

وكانت وفاة أبيه في المحرم سنة سبع وثلاثين وثلثمائة بجرجان، ثم انتقلت مملكة جرجان عنهم إلى غيرهم، وشرح ذلك يطول. وملكها قابوس المذكور في شعبان سنة ثمان وثمانين وثلثمائة، وكانت المملكة قد انتقلت إلى أبيه من أخيه مرداويج بن زيار بن وردانشاه الجيلي، وكان ملكا جليل القدر بعيد الهمة. وكان عماد الدولة أبو الحسن علي بن بويه - المقدم ذكره - من أحد أتباعه ومقدمي أمرائه، وبسببه ترقى إلى درجة الملك، وشرح حديثه يطول، وهو أول من ملك من بني بويه، وهو أكبر الإخوة - وقد سبق ذكر ذلك كله.

وكان قابوس من محاسن الدنيا وبهجتها، غير أنه كان، على ما خص به من المناقب والرأي البصير بالعواقب مر السياسة، لا يساغ كأسه، ولا يؤمن بحال سطوته وبأسه، يقابل زلة القدم، بإراقة الدم، لا يذكر العفو عند الغضب، فما زال على هذا الخلق حتى استوحشت النفوس منه، وانقلبت القلوب عنه، فأجمع أعيان عسكره على خلعه ونزع الأيدي عن طاعته، فوافق هذا التدبير منهم غيبته عن جرجان إلى المعسكر ببعض القلاع، فلم يشعر بهذا التدبير لذلك ولم يحس بهم إلا وقد قصدوه وأرادوا قبضه، ونهبوا أمواله وخيله، فحامى عنه من كان في صحبته من خواصه، فرجعوا إلى جرجان وملكوها، وبعثوا إلى ولده أبي منصور منوجهر، وهو بطبرستان، يستحثونه على الوصول إيهم لعقد البيعة له، فأسرع في الحضور، فلما وصل إليهم أجمعوا على طاعته إن خلع أباه، فلم يسعه في تلك الحال إلا المداراة والإجابة خوفا على خروج الملك عن بيتهم.

 ولما رأى الأمير قابوس صورة الحال توجه إلى ناحية بسطام بمن معه من الواص لينتظر ما يستقر عليه الأمر، فلما سمع الخارجون عليه انحيازه إلى تلك الجهة حملوا ولده منوجهر على قصده وإزعاجه من مكانه، فسار معهم مضطرا، فلما وصل إلى أبيه اجتمع به وتباكيا وتشاكيا، وعرض الولد نفسه أن يكون حجابا بينه وبين أعاديه، ولو ذهبت نفسه فيه، ورأى الوالد أن ذلك لا يجدي، وأنه أحق بالملك من بعده، وسلم خاتم المملكة إليه، واستوصاه خيرا بنفسه ما دام في قيد الحياة، واتفقا على أن يكون في بعض القلاع إلى أن يأتيه أجله، فانتقل إلى تلك القلعة. وشرع الولد في الإحسان إلى الجيش، وهو لا يطمئنون خشية قيام الوالد، ولو يزالوا حتى قتل، وذلك في سنة ثلاث وأربعمائة، ودفن بظاهر جرجان، رحمه الله تعالى، وقيل إنه لما حبس في القلعة منع من الغطاء والدثار، وكان البرد شديدا فمات من ذلك.

والجيلي: بكسر الجيم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها لام، هذه النسبة إلى جيل، وهو اسم رجل كان أخا ديلم، وقد نسب إلى كل واحد منهما. وهذه النسبة غير نسبة الجيلي إلى الإقليم وراء طبرستان، فليعلم ذلك، فقد يقع فيه الالتباس، فلهذا نبهت عليه. وقد تقدم الكلام على جرجان فلا حاجة إلى إعادته.