بهاء الدين قراقوش

أبو سعيد قراقوش بن عبد الله الأسدي، الملقب بهاء الدين، كان خادم صلاح الدين، وقيل خادم أسد الدين شيركوه عم السلطان صلاح الدين، فأعتقه - وقد تقدم ذكره في ترجمة الفقيه عيسى الهكاري. ولما استقل صلاح الدين بالديار المصرية جعله زمام القصر، ثم ناب عنه مدة بالديار المصرية، وفوض أمورها إليه واعتمد في تدبير أحوالها عليه، وكان رجلا مسعودا وصاحب همة عالية، وهو الذي بنى السور المحيط بالقاهرة ومصر وما بينهما وبنى قلعة الجبل، وبنى القناطر التي بالجيزة على طريق الأهرام، وهي آثار دالة على علو الهمة، وعمر بالمقس رباطا، وعلى باب الفتوح بظاهر القاهرة خان سبيل. وله وقف كثير لا يعرف مصرفه، وكان حسن المقاصد جميل النية. ولما أخذ صلاح الدين مدينة عكا من الفرنج سلمها إليه، ثم لما عادوا واستولوا عليها حصل أسيرا في أيديهم، ويقال إنه افتك نفسه بعشرة آلاف دينار وذكر شيخنا القاضي بهاء الدين بن شداد في سيرة صلاح الدين أنه انفك من الأسر في يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، ومثل في الخدمة الشريفة السلطانية، ففرح به فرحا شديدا، وكان له حقوق كثيرة على السلطان وعلى الإسلام والمسلمين، واستأذن في المسير إلى دمشق ليحصل مال القطيعة، فأذن له في ذلك، وكان - على ما ذكر - ثلاثين ألفا والناس ينسبون إليه أحكاما عجيبة في ولايته، حتى إن الأسعد بن مماتي - المقدم ذكره - له جزء لطيف سماه الفاشوش في أحكام قراقوش وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة، فإن صلاح الدين كان معتمدا في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوضها إليه.

وكانت وفاته في مستهل رجب سنة سبع وتسعين وخمسمائة بالقاهرة، ودفن في تربته المعروفة به بسفح المقطم بقرب البئر والحوض اللذين أنشأهما على شفير الخندق، رحمه الله تعالى.

وقراقوش: بفتح القاف والراء وبعد الألف قاف ثانية ثم واو وبعدها شين معجمة، وهو لفظ تركي تفسيره بالعربي العقاب، الطائر المعروف، وبه سمي الإنسان، والله أعلم.