المبارك بن منقذ

أبو الميمون المبارك بن كامل بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الكناني، الملقب سيف الدولة مجد الدين، كان من أمراء الدولة الصلاحية، وشاد الديوان بالديار المصرية، وهو من بيت كبير - وقد سبق ذكر جده سديد الدولة علي، وابن عمه أسامة بن مرشد.

ولما سير السلطان صلاح الدين أخاه شمس الدولة توران شاه - المقدم ذكره - إلى بلاد اليمن وتملكها رتب ابن منقذ المذكور نائبا عنه في زبيد، ولما رجع شمس الدولة إلى الشام فارق ابن منقذ اليمن واستناب أخاه حطان باذن شمس الدولة، ووصل إلى دمشق، ثم رجع شمس الدولة إلى مصر وابن منقذ معه، وقيل لصلاح الدين عنه: إنه قتل جماعة من أهل اليمن وأخذ أموالهم، فلما مات شمس الدولة حبسه صلاح الدين، وأخذ منه ثمانين ألف دينار وعروضا بعشرين ألف دينار، وذلك في سنة سبع وسبعين وخمسمائة، ثم توجه سيف الإسلام طغتكين - المقدم ذكره - إلى اليمن فتحصن حطان في بعض القلاع، فاستنزله بالمهادنة والخداع، وقبض عليه واستصفى أمواله، وسجنه في بعض القلاع، وكان آخر العهد به، ويقال إنه قتله، وقيل إنه أخذ منه سبعين غلاف زردية مملوءة ذهبا، والله أعلم.

ولم يزل سيف الدولة المذكور مقدما في الدولة كبير القدر نبيه الذكر رئيسا عالي الهمة، وكانت فيه فضيلة وكان يحب أربابها، ومدحه جماعة من مشاهير الشعراء، ومن جملة مداحه القاضي الوجيه رضي الدين أبو الحسن علي بن أبي الحسن يحيى بن الحسن بن أحمد المعروف بابن الذروي مدحه بقصيدته الذالية التي سارت مسير المثل، وأولها:

لك الخير عرج بي على ربعهم فذي

 

ربوع يفوح المسك من عرفها الشذي

وذا، يا كليم الشـوق، واد مـقـدس

 

لدى الحب فاخلع ليس يمشيه محتذي

 

ومن جملتها:

وبي ظبي إنس كمل الله حـسـنـه

 

وقال لأفـواه الـخـلائق عـوذي

جلا تحت ياقوت اللمى ثغر جوهر

 

رطيب وأبدى شاربا مـن زمـرذ

ولي عذل أبدي التشاغل عـنـهـم

 

إذا أخذوا في عذلهم كـل مـأخـذ

يقولون من هذا الذي مت في الهوى

 

به كمدا يا رب لا عرفـوا الـذي

ورب أديب لم يجد في ارتحـالـه

 

جوادا إذا ما قال هات يقـل خـذ

أقول له إذا قام يرحل مصـعـبـا

 

يكلفه طول السفـار وقـد حـذي

مبارك وفد العيس بـاب مـبـارك

 

وهل منقذ القصاد إلا ابن منـقـذ

 

ومن مديحها وفيه صناعة بديعة:

وألين عند السلم من بطـن حـيه

 

وأخشن يوم الروع من ظهر قنفذ

 

وهي قصيدة نفيسة اقتصرت منها على هذه الأبيات حذرا من التطويل.


ولأبي الميمون المذكور شعر، فمن ذلك قوله في البراغيث:

ومعشر يستحل الناس قـتـلـهـم

 

كما استحلوا دم الحجاج في الحرم

إذا سفكت دما منها فما سفـكـت

 

يداي من دمها المسفوك غير دمي

أصطاد هذا فيبقى ذا فيلسعـنـي

 

فينقضي الليل في صيدي ولسعهم

هكذا رواها عنه عز الدين أبو القاسم عبد الله بن أبي علي الحسين ابن أبي محمد عبد الله بن الحسين بن رواحة بن إبراهيم بن عبد الله بن رواحة بن عبيد بن محمد بن عبد الله بن رواحة الأنصاري الحموي. ومولد ابن رواحة بساحل صقلية سنة ستين وخمسمائة، ومات سنة ست وأربعين وستمائة في جباب التركمان، المنزلة التي بين حلب وحماة، وهو راكب على الجمل، فكانت ولادته في مركب، ومات على جمل.

وكانت ولادة سيف الدولة المذكور بقلعة شيزر سنة ست وعشرين وخمسمائة. وتوفي بالقاهرة ثامن شهر رمضان يوم الثلاثاء سنة تسع وثمانين وخمسمائة رحمه الله تعالى.

والذروى: بفتح الذال المعجمة والراء وبعدها واو، هذه النسبة إلى ذروى وهي قرية بصعيد مصر.