مجد الدين ابن الأثير الجزري

مجد الدين ابن الأثير الجزري

أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم بن عبد الواحد الشيباني، المعروف بابن الأثير الجزري، الملقب مجد الدين.

قال أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل في حقه: أشهر العلماء ذكرا، وأكبر النبلاء قدرا، وأحد الأفاضل المشار إليهم، وفرد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم، أخذ النحو عن شيخه أبي محمد سعيد بن المبارك الدهان - وقد سبق ذكره - وسمع الحديث متأخرا، ولم تتقدم روايته.

وله المصنفات البديعة والرسائل الوسيعهة، منها: جامع الأصول في أحاديث الرسول جمع فيه بين الصحاح الستة، وهو على وضع كتاب رزين، إلا أن فيه زيادات كثيرة عليه، ومنها كتاب النهاية في غريب الحديث في خمس مجلدات، وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في تفسير القرآن الكريم، أخذه من تفسير الثعلبي والزمخشري، وله كتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار وله كتاب لطيف في صنعة الكتابة، وكتاب البديع في شرح الفصول في النحو لابن الدهان وله ديوان رسائل، وكتاب الشافي في شرح مسند الإمام الشافعي وغير ذلك من التصانيف.

وكانت ولادته بجزيرة ابني عمر في أحد الربيعين سنة أربع وأربعين وخمسمائة ونشأ بها، ثم انتقل إلى الموصل في سنة خمس وستين وخمسمائة ثم عاد إلى الجزيرة ثم عاد إلى الموصل وتنقل في الولايات بها واتصل بخدمة الأمير مجاهد الدين قايماز بن عبد الله الخادم الزيني - المقدم ذكره في حرف القاف - وكان نائب المملكة، فكتب بين يديه منشئا إلى أن قبض عليه - كما سبق ذكره - فاتصل بخدمة عز الدين مسعود بن مودود صاحب الموصل وتولى ديوان رسائله وكتب له إلى أن توفي، ثم اتصل بولده نور الدين أرسلان شاه - وقد سبق ذكره - فحظي عنده وتوفرت حرمته لديه وكتب له مدة.

ثم عرض له مرض كف يديه ورجليه فمنعه من الكتابة مطلقا، وأقام في داره يغشاه الأكابر والعلماء، وأنشأ رباطا بقرية من قرى الموصل تسمى قصر حرب ووقف أملاكه عليه وعلى داره التي كان يسكنها بالموصل، وبلغني أنه صنف هذه الكتب كلها في مدة العطلة، فإنه تفرغ لها، وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الاختيار والكتابة.

وله شعر يسير، من ذلك ما أنشده للأتابك صاحب الموصل وقد زلت به بغلته:

إن زلت البغلة منتحته

 

فإن في زلتها عـذرا

حملها من علمه شاهقا

 

ومن ندى راحته بحرا

وهذا معنى مطروق وقد جاء في الشعر كثيرا.

وحكى أخوه عز الدين أبو الحسن علي أنه لما أقعد جاءهم رجل مغربي، والتزم أنه يداويه ويبرئه مما هو فيه، وأنه لا يأخذ أجرا إلا بعد برئه، فملنا إلى قوله، وأخذ في معالجته بدهن صنعه، فظهرت ثمرة صنعته ولانت رجلاه وصار يتمكن من مدهما، وأشرف على كمال البرء فقال لي: اعط هذا المغربي شيئا يرضيه واصرفه فقلت له: لماذا وقد ظهر نجح معاناته؟ فقال: الأمر كما تقول، ولكني في راحة مما كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم والالتزام بأخطارهم: وقد سكنت روحي إلى الانقطاع والدعة، وقد كنت بالأمس وأنا معافى أذل نفسي بالسعي إليهم، وها أنا اليوم قاعد في منزلي، فإذا طرأت لهم أمور ضرورية جاءوني بأنفسهم لأخذ رأيي، وبين هذا وذاك كثير، ولم يكن سبب هذا إلا هذا المرض، فما أرى زواله ولا معالجته، ولم يبق من العمر إلا القليل، فدعني أعيش باقيه حرا سليما من الذل وقد أخذت منه بأوفر حظ، قال عز الدين: فقبلت قوله وصرفت الرجل بإحسان.

وكانت وفاة مجد الدين المذكور بالموصل، يوم الخميس سلخ ذي الحجة سنة ست وستمائة، ودفن برباطه بدرب دراج داخل البلد، رحمه الله تعالى. وقد سبق ذكر أخيه عز الدين علي، وسيأتي ذكر أخيه ضياء الدين نصر الله، إن شاء الله تعالى.

وجزيرة ابني عمر: مدينة فوق الموصل على دجلتها، سميت جزيرة لأن دجلة محيطة بها، قال الواقدي: بناها رجل من أهل برقعيد يقال له عبد العزيز بن عمر.