أبو على التنوخي

القاضي أبو علي المحسن بن أبي القاسم علي بن محمد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم ابن تميم التنوخي - وقد سبق ذكر ابيه في حرف العين وإيراد شيء من أخباره وشعره - وذكرهما الثعالبي في باب واحد وقدم ذكر الأب، ثم قال في حق أبي علي المذكور: هلال ذلك القمر، وغصن هاتيك الشجر، والشاهد العدل بمجد أبيه وفضله، والفرع المسند لأصله، والنائب عنه في حياته، والقائم مقامه بعد وفاته. وفيه يقول أبو عبد الله بن الحجاج الشاعر:

إذا ذكر القضاة وهـم شـيوخ

 

تخيرت الشباب على الشـيوخ

ومن لم يرض ام أصفـعـه إلا

 

بحضرة سيدي القاضي التنوخي

وله كتاب الفرج بعد الشدة وذكر في أوائل هذا الكتاب أنه كان على العيار في دار الضرب بسوق الأهواز في سنة ست وأربعين وثلثمائة، وذكر بعد ذلك بقليل أنه كان على القضاء بجزيرة ابني عمر، وله ديوان شعر أكبر من ديوان أبيه، وكتاب نشوار المحاضرة وله كتاب المستجاد من فعلات الأجواد.

وسمع بالبصرة من أبي العباس الأثرم وأبي بكر الصولي والحسين بن محمد بن يحيى بن عثمان النسوي وطبقتهم، ونزل ببغداد وأقام بها، وحدث إلى حين وفاته وكان سماعه صحيحا، وكان أديبا شاعرا أخباريا، وكان أول سماعه الحديث في سنة ثلاث وثلاثين وثلثمائة، وأول ما تقلد القضاء من قبل أبي السائب عتبة بن عبيد الله بالقصر وبابل وما والاهما في سنة تسع وأربعين، ثم ولاه الإمام المطيع لله القضاء بعسكر مكرم وإيدج ورامهرمز، وتقلد بعد ذلك أعمالا كثيرة في نواح مختلفة.

ومن شعره في بعض المشايخ وقد خرج يستسقي وكان في السماء سحاب، فلما دعا أصحت السماء، فقال أبو علي التنوخي:  

خرجنا لنستسـقـي بـيمـن دعـائه

 

وقد كاد هدب الغيم أن يلحف الأرضا

فلما ابتدا يدعو تكشـفـت الـسـمـا

 

فما تم إلا والغمـام قـد انـفـضـا

 

ولبعضهم في المعنى وهو أبو الحسين سليمان بن محمد بن الطراوة النحوي الأندلسي المالقي في هذا المعنى:

خرجوا ليستسقوا وقد نجمت

 

غريبة قمن بهـا الـسـح

حتى إذا اصطفوا لدعوتهـم

 

وبدا لأعينهم بهـا رشـح

كشف السحاب إجابة لهـم

 

فكأنهم خرجوا ليستصحوا

 

ومن المنسوب إليه أعني القاضي التنوخي:

قل للمليحة في الخمار المذهـب

 

أفسدت نسك أخي التقي المترهب

نور الخـمـار خـدك تـحـتـه

 

عجبا لوجهك كيف لم يلتـهـب

وجمعت بين المذهبين فلـم يكـن

 

للحسن عن ذهبيهما من مذهـب

وإذا أتت عين لتسـرق نـظـرة

 

قال الشعاع لها اذهبي لا تذهـب

 

وما ألطف قوله اذهبي لا تذهب. وقد أذكرتني هذه الأبيات في الخمار المذهب حكاية وقفت عليها منذ زمان بالموصل، وهي أن بعض التجار قدم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه حمل من الخمر السود، فلم يجد لها طالبا، فكسدت عليه وضاق صدره، فقيل له: ما ينفقها لك إلا مسكين الدارمي، وهو من مجيدي الشعراء الموصوفين بالظرف والخلاعة، فقصده فوجده قد تزهد وانقطع في المسجد، فأتاه وقص عليه القصة، فقال: وكيف أعمل وأنا قد تركت الشعر وعكفت على هذه الحال؟ فقال له التاجر: أنا رجل غريب، وليس لي بضاعة سوى هذا الحمل، وتضرع إليه، فخرج من المسجد وأعاد لباسه الأول وعمل هذين البيتين وشهرهما وهما:

قل للمليحة في الخمار الأسود

 

ماذا عملت بناسك متعـبـد

قد كان شمر للصلاة ثـيابـه

 

حتى قعدت له بباب المسجد

 

فشاع بين الناس أن مسكينا الدارمي قد رجع إلى ما كان عليه، وأحب واحدة ذات خمار أسود، فلم يبق بالمدينة ظريفة إلا وطلبت خمارا أسود، فباع التاجر الحمل الذي كان معه بأضعاف ثمنه، لكثرة رغباتهم فيه، فلما فرغ منه عاد مسكين إلى تعبده وانقطاعه.


وكتب القاضي أبو علي التنوخي المذكور إلى بعض الرؤساء في شهر رمضان:

نلت في ذا الصيام ما تـشـتـهـيه

 

وكـفـاك الإلـه مـا تـتـقـيه

أنت في الناس مثل شهرك في الأش

 

هر، بل مثل لـيلة الـقـدر فـيه

 

وله أشياء فائقة.


وكانت ولادته ليلة الأحد لأربع بقين من شهر ربيع الأول سنة سبع وعشرين وثلثمائة بالبصرة. وكانت وفاته ليلة الاثنين، لخمس بقين من المحرم سنة أربع وثمانين وثلثمائة ببغداد، رحمه الله تعالى.


وأما ولده أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي فكان أديبا فاضلا له شعر لم أقف منه على شيء، وكان يصحب أبا العلاء المعري وأخذ عنه كثيرا، وكان يروي الشعر الكثير، وهم أهل بيت كلهم فضلاء أدباء ظرفاء، وكانت ولادة الولد المذكور في منتصف شعبان سنة خمس وستين وثلثمائة بالبصرة، وتوفي في يوم الأحد مستهل المحرم سنة سبع وأربعين وأربعمائة، رحمه الله تعالى، وكانت بينه وبين الخطيب أبي زكريا التبريزي مؤانسة واتحاد بطريق أبي العلاء المعري وذكره الخطيب في تاريخ بغداد وعدد شيوخه الذين روى عنهم، ثم قال: وكتبت عنه، وذكر مولده ووفاته كما هو ها هنا، لكنه قال: إن وفاته كانت ليلة الاثنين ثاني المحرم، ودفن يوم الاثنين في داره بدرب التل، وإنه صلى على جنازته، وإن أول سماعه كان في شعبان سنة سبعين، وكان قد قبلت شهادته عند الحكام في حداثته، ولم يزل على ذلك مقبولا إلى آخر عمره، وكان متحفظا في الشهادة محتاطا صدوقا في الحديث، وتقلد قضاء نواح عدة، منها المدائن وأعمالها ودورنجان والبردان وقرميسين وغير ذلك.
وقد سيق الكلام على التنوخي.


والمحسن: بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر السين المهملة المشددة، وبعدها نون.


وإليه كتب أبو العلاء المعري قصيدته التي أولها:

هات الحديث عن الزوراء أو هيتا