محمد بن سيرين

أبو بكر محمد بن سيرين البصري، كان أبوه عبدا لأنس بن مالك، رضي الله عنه، كاتبه على أربعين ألف درهم، وقيل عشرين ألفا، وأدى المكاتبة.

وكان من سبي ميسان، ويقال من سبي عين التمر. وكان أبوه سيرين من أهل جرجرايا، وكنيته أبو عمرة، وكان يعمل قدور النحاس، فجاء إلى عين التمر يعمل بها، فسباه خالد بن الوليد رضي الله عنه في أربعين غلاما مختتنين، فأنكرهم، فقالوا: إنا كنا أهل مملكة، ففرقهم في الناس. وكانت أمه صفية مولاة أبي بكر الصدين، رضي الله عنه، طيبها ثلاث من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعون لها، وحضر إملاكها ثمانية عشر بدريا فيهم أبي ابن كعب يدعو وهم يؤمنون. وروى محمد المذكور عن أبي هريرة وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعمران بن حصين وأنس بن مالك، رضي الله عنهم، وروى عنه قتادة بن دعامة وخالد الحذاء وأيوب السختياني وغيرهم من الأئمة، وهو أحد الفقهاء من أهل البصرة، والمذكور بالورع في وقته.

وقدم المدائن على عبيدة السلماني وقال: صليت معه، فلما قضى صلاته دعا بغداء، فأتي بخبز ولبن وسمن فأكل وأكلنا معه، ثم جلسنا حتى حضرت العصر، ثم قام عبيدة فأذن وأقام، ثم صلى بنا العصر ولم يتوضأ لا هو ولا احد ممن أكل معنا فيما بين الصلاتين.

وكان محمد المذكور صاحب الحسن البصري ثم تهاجرا في آخر الأمر، فلما مات الحسن لم يشهد ابن سيرين جنازته. وكان الشعبي يقول: عليكم بذلك الرجل الأصم، يعني ابن سيرين، لأنه كان في أذنيه صمم. وكانت له اليد الطولى في تعبير الرؤيا. وكانت ولادته لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وتوفي تاسع شوال يوم الجمعة سنة عشر ومائة بالبصرة، بعد الحسن البصري بمائة يوم، رضي الله عنهما، وكان بزازا، وحبس بدين كان عليه، وولد له ثلاثون ولدا من امرأة واحدة عربية ولم يبق منهم غير عبد الله، ولما مات كان عليه ثلاثون ألف درهم دينا فقضاه ولده عبد الله، فما مات عبد الله حتى قوم ماله بثلثمائة ألف درهم.

وكان محمد المذكور كاتب أنس بن مالك بفارس. وكان الأصمعي يقول: الحسن البصري سيد سمح وإذا حدث الأصم بشيء - يعني ابن سيرين - فاشدد يديك، وقتادة حاطب ليل. قال ابن عوف: لما مات أنس بن مالك أوصى أن يصلي عليه ابن سيرين ويغسله، قال: وكان ابن سيرين محبوسا، فأتوا الأمير - وهو رجل من بني أسد - فأذن له، فخرج فغسله وكفنه وصلى عليه في قصر أنس بالطف، ثم رجع فدخل كما هو إلى السجن، ولم يذهب إلى أهله.

قلت: وذكر عمر بن شبة في كتاب أخبار البصرة أن الذي غسل أنس بن مالك هو قطن بن مدرك الكلابي والي البصرة، وكذلك قال أبو اليقظان.

وميسان: بفتح الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وفتح السين المهملة وبعد الألف نون، وهي بليدة بأيفل أرض البصرة.

وعين التمر: قد سبق الكلام عليها.