الزهري

أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زهرة الزهري أحد الفقهاء والمحدثين، والأعلام التابعين بالمدينة، رأى عشرة من الصحابة رضوان الله عليهم، وروى عنه جماعة من الأئمة: منهم مالك بن أنس وسفيان بن عيينة وسفيان الثوري. وروي عن عمرو بن دينار أنه قال: أي شيء عند الزهري؟ أنا لقيت ابن عمر ولم يلقه، وأنا لقيت ابن عباس ولم يلقه، فقدم الزهري مكة فقال عمرو: احملوني إليه، وكان قد أقعد، فحمل إليه، فلم يأت إلى أصحابه إلا بعد ليل، فقالوا له: كيف رأيت؟ فقال: والله ما رأيت مثل هذا الفتى القرشي قط. وقيل لمكحول: من أعلم من رأيت؟ قال: ابن شهاب، قيل له: ثم من؟ قال: ابن شهاب، قيل له: ثم من؟ قال: ابن شهاب. وكان قد حفظ علم الفقهاء السبعة. وكتب عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه إلى الآفاق: عليكم بابن شهاب، فإنكم لا تجدون احدا أعلم بالسنة الماضية منه.

وحضر الزهري يوما مجلس هشام بن عبد الملك وعنده أبو والزناد عبد الله بن ذكوان فقال له هشام: أي شهر كان يخرج الطاء فيه لأهل المدينة؟ فقال الزهري: لا أدري، فسأل أبا الزناد عنه فقال: في المحرم، فقال هشام للزهري: يا أبا بكر، هذا علم استفدته اليوم، فقال: مجلس أمير المؤمنين أهل أن يستفاد منه العلم. وكان إذا جلس في بيته وضع كتبه حوله، فيشتغل بها عن كل شيء من أمور الدنيا، فقالت له امرأته يوما: والله لهذه الكتب أشد علي من ثلاث ضرائر.

وكان أبو جده عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين بدرا، وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنه أو ليقتلن دونه، وروي أنه قيل للزهري: هل شهد جدك بدرا؟ قال: نعم، ولكن من ذلك الجانب، يعني أنه كان في صف المشركين. وكان أبوه أسلم مع مصعب بن الزبير، ولم يزل الزهري مع عبد الملك ثم مع هشام بن عبد الملك، وكان يزيد بن عبد الملك قد استقضاه.
وتوفي ليلة الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة أربع وعشرين ومائة، وقيل ثلاث وعشرين، وقيل خمس وعشرين ومائة، وهو ابن اثنتين - وقيل ثلاث - وسبعين سنة، وقيل مولده سنة إحدى وخمسين للهجرة، والله أعلم، ودفن في ضيعته أدامي بفتح الهمزة والدال المهملة وبعد الألف ميم مفتوحة وياء مفتوحة أيضا وقيل: أدمي، مثل الأول لكنها بغير ألف، وهي خلف شغب وبدا، وهما واديان وقيل قريتان بين الحجاز والشام في موضع هو آخر عمل الحجاز وأول عمل فلسطين. وذكر في كتاب التمهيد أنه مات في بيته بنعف، وهي قرية عند القرى المذكورة،وماتت بها أيضا أم حزرة زوجة جرير، فقال من أبيات:

نعم القرين وكنت علق مضنة

 

وارى بنعف بلية الأحجـار

 

وقبره على الطريق ليدعو له كل من يمر عليه، رضي الله عنه.


والزهري: بضم الزاي وسكون الهاء وبعدها راء، هذه النسبة إلى زهرة ابن كلاب بن مرة، وهي قبيلة كبيرة من قريش، ومنها آمنة أم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلق كثير من الصحابة وغيرهم، رضي الله عنهم.


وشغب: بفتح الشين المعجمة وسكون الغين المعجمة وبعدها ياء موحدة.


وبدا: بفتح الباء الموحدة والدال المهملة وبعدها ألف، وفيهما يقول كثير عزة:

وأنت التي حببت شغبا إلى بـدا

 

إلي وأوطاني بلاد سواهـمـا

إذا ذرفت عيناي أعتل بالقـذى

 

وعزة لو يدري الطبيب قذاهما

وحلت بهذا حلة ثم أصبـحـت

 

بهذا، فطاب الواديان كلاهمـا

وهذا الشعر يدل على أنهما واديان، لا قريتان والله أعلم.