محمد بن علي العباسي

أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، وهو والد السفاح والمنصور الخليفتين - وقد تقدم ذكر والده في حرف العين -، قال ابن قتيبة: كان محمد المذكور من أجمل الناس وأعظمهم قدرا، وكان بينه وبين أبيه في العمر أربع عشرة سنة، وكان علي يخضب بالسواد ومحمد يخضب بالحمرة، فيظن من لا يعرفهما أن محمدا هو علي.

قال يزيد بن أبي مسلم كاتب الحجاج بن يوسف الثقفي، سمعت الحجاج يقول: بينا نحن عند عبد الملك بن مروان بدومة الجندل في منتزه له ومعه قائف يحادثه ويسائله، إذ أقبل علي بن عبد الله بن العباس ومحمد ابنه، فلما رآه عبد الملك مقبلا حرك شفتيه وهمس بهما وانتقع لونه وقطع حديثه، قال الحجاج: فوثبت نحو علي لأرده، فأشار إلي عبد الملك أن كف عنه، وجاء علي فسلم فأقعده إلى جانبه، وجعل يمس ثوبه، وأشار إلى محمد أن اقعد، وكلمه وساءله، وكان علي حلو المحادثة، وحضر الطعام فأتي بالطست، فغسل يده وقال: أدن الطست من أبي محمد، فقال: أنا صائم، ثم وثب، فأتبعه عبد الملك بصره حتى كاد يخفي عن عينبه، ثم التفت إلى القائف فقال: أتعرف هذا؟ فقال: لا، ولكن أعرف من أمره واحدة، قال: وما هي؟ قال: إن كان الفتى الذي معه ابنه فإنه يخرج من عقبه فراعنه يملكون الأرض ولا يناويهم مناو إلا قتلوه، قال: فاربد لون عبد الملك، ثم قال: زعم راهب إيليا - ورأى عندي - انه يخرج من صلبه ثلاثة عشر ملكا، وصفهم بصفاتهم.

وكان سبب انتقال الأمر إليه أن محمد بن الحنيفية - وقد سبق ذكره - كانت الشيعة تعتقد إمامته بعد أخيه الحسين، رضي الله عنه، فلما توفي محمد بن الحنيفية انتقل الأمر إلى ولده أبي هاشم - وقد سبق ذكره أيضا في ترجمة أبيه - وكان عظيم القدر، وكانت الشيعة تتوالاه، فحضرته الوفاة بالشام في سنة ثمان وتسعين للهجرة ولا عقب له، فأوصى إلى محمد بن علي المذكور وقاله له: انت صاحب هذا الأمر، وهو في ولدك، ودفع إليه كتبه وصرف الشيعة نحوه. ولما حرض محمدا المذكور الوفاة بالشام أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام، فلما ظهر أبو مسلم الخراساني بخراسان دعا الناس إلى مبايعة إبراهيم بن محمد المذكور، فلذلك قيل له الإمام. وكان نصر بن سيار نائب مروان بن محمد آخر ملوك بني أمية يومئذ بخراسان، فكتب إلى مروان يعلمه بظهور أبي مسلم يدعو لبني العباس. فكتب مروان إلى نائبه بدمشق بأن يحضر إبراهيم من الحميمة موثقا، فأحضره وحمله إليه وحبسه مروان بن محمد آخر ملوك بني امية بمدينةة حران، فتحقق أن مروان يقتله، فأوصى إلى أخيه السفاح، وهو أول من ولي الخلافة من اولاد العباس، هذه خلاصة الأمر، والشرح فيه تطويل وبقي إبراهيم في الحبس شهرين، ومات وقيل قتل.

وكانت ولادة محمد المذكور سنة ستين للهجرة، هكذا وجدته منقولا، وهو يخالف ما تقدم من أن بينه وبين أبيه في العمر أربع عشرة سنة، فقد تقدم في تاريخ أبيه أنه ولد في حياة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أو في ليلة قتل علي، على الاختلاف فيه، وكان قتل علي في رمضان سنة أربعين، فكيف يمكن أن يكون بينهما أربع عشرة سنة؟ بل أقل ما يمكن أن يكون بينهما عشرون سنة. وذكر ابن حمدون في كتاب التذكرة أن محمدا المذكور مولده في سنة اثنتين وستين للهجرة، وتوفي محمد المذكور في سنة ست وعشرين، وقيل اثنتين وعشرين ومائة، وفيها ولد المهدي بن أبي جعفر المنصور، وهو والد هارون الرشيد، وقيل سنة خمس وعشرين ومائة بالشراة، وقال الطبري في تاريخه: توفي محمد بن علي مستهل ذي القعدة سنة ست وعشرين ومائة، وهو ابن ثلاث وستين سنة رحمه الله تعالى.
وقد تقدم الكلام على الشراة في ترجمة أبيه علي بن عبد الله.

وقال الطبري في تاريخه: في سنة ثمان وتسعين للهجرة قدم أبو هاشم عبد الله ابن محمد بن الحنفية على سليمان بن عبد الملك بن مروان فأكرمه، وسار أبو هاشم يريد فلسطين، فأنقذ سليمان من قعد له على الطريق بلبن مسموم، فشرب منه أبو هاشم فأحس بالموت، فعدل إلى الحميمة واجتمع بمحمد بن علي بن عبد الله بن العباس وأعلمه ان الخلافة في ولده عبد الله بن الحارثية - قلت: وهو السفاح - وسلم إليه كتب الدعاة وأوقفه على ما يعمل بالحميمة، هكذا قال الطبري، ولم يذكر إبراهيم الإمام، وجميع المؤرخين اتفقوا على إبراهيم، إلا أنه ما تم له الأمر، والله أعلم.