محمد بن الحسن الحنفي

أبو عبد الله محمد بن فرقد، الشيباني بالولاء الفقيه الحنفي، أصله من قرية على باب دمشق في وسط الغوطة اسمها حرستا، وقدم أبوه من الشام إلى العراق، وأقام بواسط فولد له بها محمد المذكور، ونشأ بالكوفة، وطلب الحديث، ولقي جماعة من أعلام الأئمة، وحضر مجلس أبي حنيفة سنتين، ثم تفقه على أبي يوسف صاحب أبي حنيفة.

وصنف الكتب الكثيرة النادرة، منها الجامع الكبير والجمع الصغير وغيرهما. وله في مصنفاته المسائل المشكلة خصوصا المتعلقة بالعربية. ونشر علم أبي حنيفة، وكان من أفصح الناس، وكان إذا تكلم خيل لسامعه أن القرآن نزل بلغته. ولما دخل الإمام الشافعي رضي الله عنه بغداد كان بها، وجرى بينهما مجالس ومسائل بحضرة هارون الرشيد. وقال الشافعي: ما رأيت أحدا يسأل عن مسألة فيها نظر إلا تبينت الكراهة في وجهه، إلا محمد بن الحسن، وقال أيضا: حملت من علم محمد بن الحسن وقر بعير. وقال الربيع بن سليمان المرادي: كتب الشافعي إلى محمد بن الحسن وقد طلب منه كتبا له لينسخها، فتأخرت عنه:

قل لمن لم تـر ع

 

ين من رآه مثلـه

ومن كأن مـن رآ

 

ه قد رأى من قبله

العلم ينهى أهلـه

 

أن يمنعوه أهلـه

لعـلـه يبـذلـه

 

لأهله لـعـلـه

فأنفذ إليه الكتب من وقته. ورأيت هذه الأبيات في ديوان منصور بن إسماعيل الفقيه المصري - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وقد كتبها إلى أبي بكر بن قاسم. والذي ذكرناه أولا حكاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء. وروي عن الشافعي أنه قال: ما رأيت سمينا ذكيا إلا محمد ابن الحسن. وكان الرشيد قد ولاه قضاء الرقة ثم عزله عنها، وقدم بغداد.

وحكى محمد بن الحسن قال: أتوا أبا حنيفة في امرأة ماتت وفي جوفها وله يتحرك، فأمرهم فشقوا جوفها واستخرجوا الولد وكان غلاما، فعاش حتى طلب العلم وكان يتردد إلى مجلس محمد بن الحسن، وسمي ابن أبي حنيفة.

 ولم يزل محمد بن الحسن ملازما للرشيد حتى خرج إلى الري خرجته الأولى، فخرج معه، ومات برنبويه قرية من قرى الري في سنة تسع وثمانين ومائة. ومولده سنة خمس وثلاثين، وقيل إحدى وثلاثين، وقيل اثنتين وثلاثين ومائة. وقال السمعاني: مات محمد بن الحسن والكسائي في يوم واحد بالري، رحمها الله تعالى، وقيل إن الرشيد كان يقول: دفنت الفقه والعربية بالري.

ومحمد بن الحسن المذكور ابن خالة الفراء صاحب النحو واللغة.

وقد تقدم الكلام على الشيباني.

وحرستا: بفتح الحاء المهملة والراء وسكون السين المهملة وفتح التاء المثناة من فوقها وبعدها ألف مقصورة.

ورنبويه: بفتح الراء وسكون النون وفتح الباء الموحدة والواو وبعدها ياء مثناة من تحتها ساكنة وبعدها هاء ساكنة.