ابن الحداد المصري

أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الكناني، المعروف بابن الحداد، الفقيه الشافعي المصري، صاحب كتاب الفروع في المذهب وهو كتاب صغير الحجم كثير الفائدة، دقق في مسائله غاية التدقيق، واعتنى بشرحه جماعة من الأئمة الكبار: شرحه القفال المروزي شرحا متوسطا ليس بالكبير، وشرحه القاضي أبو الطيب الطبري في مجلد كبير، وشرحه الشيخ أبو علي السنجي شرحا تاما مستوفى أطال فيه، وهو أحسن الشروح.

وكان ابن الحداد المذكور قد أخذ الفقه عن أبي إسحاق المروزي، وقال صاحبنا عماد الدين بن باطيش في كتابه الذي وضعه على المهذب وفي طبقات الفقهاء: إنه من اعيان أصحاب إبراهيم المزني، وقد وهم فيه، فإن ابن الحداد ولد في السنة التي توفي فيها المزني. وقال القضاعي في كتاب خطط مصر إنه ولد في اليوم الذي مات فيه المزني رحمه الله تعالى، فكيف يمكن أن يكون من أصحابه؟ وإنما نبهت على ذلك لئلا يظن ظان أن هذا غلط، وذلك الصواب، ونسب إليه أيضا الأبيات الذالية التي ذكرتها في ترجمة ظافر الحداد الإسكندري، وقد سبق الكلام عليها في ترجمة ظافر.

وكان ابن الحداد فقيها محققا غواصا على المعاني، تولى القضاء بمصر والتدريس وكانت الملوك والرعايا تكرمه وتعظمه وتقصده في الفتاوى والحوادث، وكان يقال في زمنه: عجائب الدنيا ثلاث: غضب الجلاد، ونظافة السماد، والرد على ابن الحداد. وكانت ولادته لست بقين من شهر رمضان، سنة أربع وستين ومائتين، وتوفي سنة خمس وأربعين وثلثمائة، وقال السمعاني: سنة أربع وأربعين، والله أعلم بالصواب. وحدث عن أبي عبد الرحمن النسائي وغيره رحمهم الله أجمعين، وذكر القضاعي في كتاب خطط مصر ان ابن الحداد المذكور توفي عند منصرفه من الحج، سنة أربع وأربعين وثلثمائة بمنية حرب على باب مدينة مصر، وقيل في موضع القاهرة.

وكان متصرفا في علوم كثيرة من علوم القرآن الكريم والفقه والحديث والشعر وأيام العرب والنحو واللغة وغير ذلك، ولم يكن في زمانه مثله، وكان محببا إلى الخاص والعام، وحضر جنازته الأمير أبو القاسم أنوجور ابن الإخشيد وكافور وجماعة من اهل البلد، وله تسع وسبعون سنة وأربعة أشهر ويومان، رحمه الله تعالى.

والحداد: بفتح الحاء المهملة وتشديد الدال ثم دال بعد ألف، وكان أحد أجداده يعمل الحديد ويبيعه فنسب إليه.