محمد بن عبد الحكم

أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين ابن ليث بن رافع المصري الفقيه الشافعي، سمع من ابن وهب وأشهب من أصحاب الإمام مالك، فلما قدم الإمام الشافعي، رضي الله عنه، مصر صحبه وتفقه به، وحمل في المحنة إلى بغداد إلى القاضي أحمد بن أبي دواد الإيادي - المقدم ذكره - فلم يجب إلى ما طلب منه فرد إلى مصر، وانتهت إليه الرياسة بمصر.

وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين ومائة. وتوفي يوم الأربعاء لليلة خلت من ذي القعدة، وقيل منتصفه، سنة ثمان وستين ومائتين، وقبره فيما يذكر مع قبر أبيه وأخيه عبد الرحمن - وقد سبق ذكر ذلك - وهما إلى جانب الإمام الشافعي، وقال ابن قانع: توفي سنة تسع وستين بمصر، رحمه الله تعالى.

روى عنه أبو عبد الرحمن النسائي في سننة. وقال المزني: كنا نأتي الشافعي نسمع منه، فنجلس على باب داره، ويأتي محمد بن عبد الله بن عبد الحكم فيصعد إليه ويطيل المكث، وربما تغدى معه ثم نزل، فيقرأ علينا الشافعي، فإذا فرغ من قراءته قرب إلى محمد دابته فركبها، وأتبعه الشافعي بصره، فإذا غاب شخصه قال: وددت لو أن لي ولدا مثله وعلي ألف دينار لا أجد لها قضاء.

وحكي عن محمد المذكور أنه قال: كنت اتردد إلى الشافعي، فاجتمع قوم من أصحابنا إلى أبي، وكان على مذهب الإمام مالك - وقد سبق ذكره في العبادلة - فقالوا: يا أبا محمد، إن محمدا ينقطع إلى هذا الرجل ويتردد إليه فيرى الناس أن هذا رغبة عن مذهب أصحابه، فجعل أبي يلاطفهم ويقول: هو حدث ويحب النظر في اختلاف أقاويل الناس ومعرفة ذلك، ويقول لي في السر: يا بني، الزم هذا الرجل، فإنك لو جاوزت هذا البلد فتكلمت في مسألة فقلت فيها: قال أشهب، لقيل لك: من أشهب؟ قال: فلزمت الشافعي، وما زال كلام والدي في قلبي حتى خرجت إلى العراق فكلمني القاضي بحضرة جلسائه في مسألة فقلت فيها: قال أشهب عن مالك فقال: ومن أشهب؟ وأقبل على جلسائه فقال لبعضهم كالمنكر: ما أعرف أشهب ولا أبلق. وأخباره كثيرة.

وذكره القضاعي في كتاب خطط مصر قال: ومحمد هذا هو الذي أحضره أحمد بن طولون في الليل إلى حيث سقايته بالمعافر لما توقف الناس عن شرب مائها والوضوء به، فشرب منه وتوضأ، فأعجب ذلك ابن طولون، وصرفه لوقته ووجه إليه بصلة، والناس يقولون: إنه المزني، وليس بصحيح، والله أعلم.