القفال الشاشي

أبو بكر محمد بن علي بن إسماعيل، القفال الشاشي الفقيه الشافعي، إمام عصره بلا مدافعة، كان فقيها محدثا أصوليا لغويا شاعرا، لم يكن بما وراء النهر للشافعيين مثله في وقته، رحل إلى خراسان والعراق والحجاز والشام والثغور، وسار ذكره في البلاد، وأخذ الفقه عن ابن سريج، وله مصنفات كثيرة، وهو أول من صنف الجدل الحسن من الفقهاء، وله كتاب في أصول الفقه، وله شرح الرسالة، وعنه انتشر مذهب الشافعي في بلاده، وروى عن محمد بن جرير الطبري وأقرانه، وروى عنه الحاكم أبو عبد الله وأبو عبد الله ابن منده وأبو عبد الرحمن السلمي وجماعة كثيرة. وهو والد القاسم صاحب كتاب التقريب الذي ينقل عنه في النهاية والوسيط والبسيط. وقد ذكره الغزالي في الباب الثاني من كتاب الرهن، لكنه قال: أبو القاسم، وهو غط، وصوابه: القاسم. وقال العجلي في شرح مشكلات الوجيز والوسيط في الباب الثالث من كتاب التيمم: إن صاحب التقريب هو أبو بكر القفال، وقيل إنه ابنه القاسم، ثم قال: فلهذا يقال: صاحب التقريب على الإبهام.

قلت: ورأيت في شوال سنة خمس وستين وستمائة، في خزانة الكتب بالمدرسة العادلية بدمشق المحروسة كتاب التقريب في ست مجلدات، وهي من حساب عشر مجلدات، وكتب عليه بأنه تصنيف أبي الحسن القاسم ابن أبي بكر القفال الشاشي، وقد كانت النسخة المذكورة للشيخ قطب الدين مسعود النيسابوري - الآتي ذكره إن شاء الله تعالى - وعليها خطه بأنه وقفها، وهذا التقريب غير التقريب الذي لسليم الرازي، فإني رأيت خلقا كثيرا من الفقهاء يعتقدونه هو، فلهذا نبهت عليه، والتقريب الذي لابن القفال قليل الوجود، والذي لسليم موجود بأيدي الناس، وهذا التقريب هو الذي تخرج به فقهاء خراسان.

وقد وقع الاختلاف في وفاة القفال المذكور، فقال الشيخ أبو إسحاق الشيرازي في طبقات الفقهاء: توفي في سنة ست وثلاثين وثلثمائة، وقال الحاكم أبو عبد الله المعروف بابن البيع النيسابوري: إنه توفي بالشاش، في ذي الحجة سنة خمس وستين وثلثمائة، وقال: كتبت عنه وكتب عني، ووافقه على هذا ابن السمعاني في كتاب الأنساب وزاد فقال: وكانت ولادته في سنة إحدى وتسعين ومائتين، وقال أعني ابن السمعاني في كتاب الذيل: إنه توفي سنة ست وستين وثلثمائة، رحمه الله تعالى، وكذا قاله في كتاب الأنساب أيضا في ترجمة الشاشي، والقول الأول قاله في ترجمة القفال، والله أعلم بالصواب.

والشاشي: نسبة إلى الشاش - بشينين معجمتين بينهما ألف - وهي مدينة وراء نهر سيحون، خرج منها جماعة من العلماء، وهذا القفال غير القفال المروزي - وقد سبق ذكر ذلك في العبادلة - وهو متاخر عن هذا.