أبو زيد المرزوي

أبو زيد محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد، المرزوي الفاشاني الفقيه الشافعي، كان من الأئمة الأجلاء، حسن النظر مشهورا بالزهد حافظا للمذهب، وله فيه وجوه غريبة. أخذ الفقه عن أبي إسحاق المرزوي، وأخذ عنه أبو بكر القفال المرزوي، ودخل بغداد وحدث بها، وسمع منه الحافظ أبو الحسن الدارقطني ومحمد بن أحمد بن القاسم المحاملي، ثم خرج إلى مكة فجاور بها سبع سنين، وحدث هناك بصحيح البخاري عن محمد بن يوسف الفربري، قال الخطيب: وأبو زيد أجل من روى هذا الكتاب. وقال أبو بكر البزار: عادلت الفقيه أبا زيد من نيسابور إلى مكة فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه، يعني خطيئة. وقال أحمد بن محمد الحاتمي الفقيه: سمعت أبا زيد المروزي يقول: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأنا بمكة، وكأنه يقول لجبريل عليه السلام: يا روح الله اصحبه إلى وطنه.

وكان في أول أمره فقيرا لا يقدر على شيء فكان يعبر الشتاء بلا جبة مع شدة البرد في تلك البلاد، فإذا قيل له في ذلك يقول: بي علة تمنعني من لبس المحشو، يعني به الفقر. وكان لا يشتهي أن يطلع أحدا على باطن حاله، ثم أقبلت عليه الدنيا في آخر عمره وقد أسن وتساقطت أسنانه فكان لا يتمكن من المضغ وبطلت منه حاسة الجماع فكان يقول مخاطبا للنعمة: لا بارك الله فيك! أقبلت حين لا ناب ولا نصاب.

وقد أذكرتني هذه الحكاية أبياتا لبعض الفضلاء وقد أثرى وصارت له نعمة وهو في عشر الثمانين، وهي:

ما كنت أرجوه إذ كنت ابن عشرينا

 

ملكته بعد أن جاوزت سبعـينـا

تطيف بي من بني الأتراك أغزلة

 

مثل الغصون على كثبان يبرينـا

وخرد من بـنـات الـروم رائعة

 

يحكين بالحسن حور الجنة العينـا

يغمزنني بـأسـاريع مـنـعـمة

 

تكاد تنقض من أطرافهـا لـينـا

يردن إحياء ميت لا حـراك بـه

 

فكيف يحيين ميتا صار مدفـونـا

قالوا أنينك طول الليل يقلـقـنـا

 

فما الذي تشتكي؟ قلت الثمانـينـا

وتوفي يوم الخميس ثالث عشر رجب سنة إحدى وسبعين وثلثمائة بمرو، رحمه الله تعالى، وقد تقدم الكلام على نسبة المرزوي والفاشاني فلا حاجة إلى الإعادة.