المستظهري

أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين بن عمر الشاشي الأصل الفارقي المولد، المعروف بالمستظهري، الملقب فخر الإسلام الفقيه الشافعي، كان فقيه وقته، تفقه أولا بميافارقين على أبي عبد الله محمد بن بيان الكازروني، وعلى القاضي أبي منصور الطوسي صاحب أبي محمد الجويني إلى أن عزل عن قضاء ميافارقين، ثم رحل أبو بكر إلى بغداد، ولازم الشيخ أبا إسحاق الشيرازي، رحمه الله تعالى، ثم رحل أبو بكر إلى بغداد، وقرأ عليه وأعاد عنده، وقرأ كتاب الشامل في الفقه على مصنفه أبي نصر ابن الصباغ، رحمه الله تعالى، ودخل نيسابور صحبة الشيخ أبي إسحاق، وتكلم في مسألة بين يدي إمام الحرمين فأحسن فيها، وعاد إلى بغداد. وذكره الحافظ عبد الغافر الفارسي في سياق تاريخ نيسابور وتعين في الفقه بالعراق بعد أستاذه أبي إسحاق، وانتهت إليه رياسة الطائفة الشافعية. وصنف تصانيف حسنة، من ذلك كتاب حلية العلماء في المذهب، وذكر فيه مذهب الشافعي، ثم ضم إلى كل مسألة اختلاف الأئمة فيها، وجمع من ذلك شيئا كثيرا وسماه المستظهري لأنه صنفه للإمام المستظهر بالله، وصنف أيضا في الخلاف.

وتولى التدريس بالمدرسة النظامية بمدينة بغداد، سنة أربع وخمسمائة إلى حين وفاته، وكان قد وليها قبله الشيخ أبو إسحاق الشيرازي وأبو نصر ابن الصباغ صاحب الشامل وأبو سعد المتولي صاحب تتمة الإبانة وأبو حامد الغزالي - وقد سبق ذكر ذلك في ترجمة كل واحد منهم - فلما انقرضوا تولاها هو. وحكى لي بعض المشايخ من علماء المذهب أنه يوم ذكر الدرس، وضع منديله على عينيه وبكى كثيرا، وهو جالس على السدة التي جرت عادة المدرسين بالجلوس عليها وكان ينشد:

خلت الديار فسدت غير مسود

 

ومن العناء تفردي بالسـؤدد

 

وجعل يردد هذا البيت ويبكي، وهذا إنصاف منه واعتراف لمن تقدمه بالفضل والرجحان عليه، وهذا البيت من جملة أبيات في الحماسة.


ومدحه تلميذه أبو المجد حمدان بن كثير البالسي بقصيدة يقول فيها:

يا كعبة الفضل افتنا لم لم يجب

 

شرعا على قصادك الإحرام

ولما تضمخ زائريك بطيب ما

 

تلقيه وهو على الحجيج حرام

وقد سبق في مرثية أبي العلاء المعري مثل هذا المعنى.

وكانت ولادته في المحرم سنة تسع وعشرين وأربعمائة بميافارقين. وتوفي في يوم السبت خامس عشري شوال سنة سبع وخمسمائة ببغداد، ودفن في مقبرة باب أبرز، مع شيخه أبي إسحاق في قبر واحد، وقيل دفن إلى جانبه، رحمهما الله تعالى.