ابن الخل

أبو الحسن محمد بن المبارك، وكنيته أبو البقاء، ابن محمد بن عبد الله بن محمد المعروف بابن الخل، الفقيه الشافعي البغدادي، تفقه على أبي بكر محمد بن احمد الشاشي المعروف بالمستظهري - المقدم ذكره - وبرع في العلم، وكان يجلس في مسجده الذي بالرحبة شرقي بغداد لا يخرج عنه إلا بقدر الحاجة يفتي ويدرس، وكان قد تفرد بالفتوى بالمسألة السريجية ببغداد وصنف كتابا سماه توجيه التنبيه على صورة الشرح لكنه مختصر، وهو أول من شرح التنبيه، لكن ليس فيه طائل، وله كتاب في أصول الفقه. وسمع الحديث من أبي عبد الله الحسين بن أبي طلحة النعالي وأبي عبد الله الحسين البسري وغيرهما. وروى عنه الحافظ أبو سعد السمعاني وغيره. وسمعت بعض الفقهاء ينقل عنه أنه كان يكتب خطا جيدا منسوبا وأن الناس كانوا يحتالون على أخذ خطه في الفتاوى من غير حاجة إليها بل لأجل الخط لا غير، فكثرت عليه الفتاوى وضيقت عليه أوقاته، ففهم ذلك منهم، فصار يكسر القلم ويكتب جواب الفتوى به، فأقصروا عنه. وقيل إن صاحب الخط المليح هو أخوه، والله أعلم.

وتوفي سنة اثنتين وخمسين وخمسمائة بغداد ونقل إلى الكوفة ودفن بها، رحمه الله تعالى.

وكان أخوه أبو الحسين أحمد بن المبارك فقيها فاضلا وشاعرا ماهرا، ذكره العماد الأصبهاني في كتاب الخريدة وأثنى عليه، وأورد له مقاطيع شعر ودوبيت، فمن ذلك أبيات في بعض الوعاظ وهي:

 

ومن الشقاوة أنهم ركنوا إلـى

 

نزغات ذاك الأحمق التمتـام

شيخ يبهرج دينه بـنـفـاقـه

 

ونفاقه منهـم عـلـى اقـوام

وإذا رأى الكرسي تاه بأنـفـه

 

أي أن هذا موضعي ومقامي

ويدق صدرا ما انطوى إلا على

 

غل يواريه بكـف عـظـام

ويقول أيش أقول من حصر به

 

لا لازدحام عـبـارة وكـلام

 

وله دوبيت:

هذا ولهي وكم كتمت الولـهـا

 

صونا لوداد من هوى النفس لها

يا آخر محنـتـي ويا أولـهـا

 

آيات غرامي فيك من أولـهـا

 

وله أيضا:

ساروا وأقام في فؤادي الكمد

 

لم يلق كما لقيت منهم احـد

شوق وجوى ونار وجد تـقـد

 

مالي جلد، ضعفت ما لي جلد

 

وله أيضا:

ما ضر حداة عيسهم لو رفقـوا

 

لم يبق غداة بينهم لـي رمـق

قلب قلق وأدمـع تـسـتـبـق

 

أو هي جلدي من الفراق الفرق

وكانت ولادته سنة اثنتين وثمانين وأربعمائة، وتوفي سنة اثنتين - أو ثلاث - وخمسين وخمسمائة، رحمه الله تعالى.